شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ١٨٥
يوم خرج بهم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قريش بعد انكسار أصحابه، وقتل من قتل منهم، وخرجوا نحو القوم والجراح فيهم فاشية، ودماؤهم تسيل، وإنهم مع ذلك كالأسد الغراث تتواثب على فرائسها، وكم لهم من يوم أغر محجل! وقالت الأنصار:
لولا علي بن أبي طالب عليه السلام في المهاجرين لأبينا لأنفسنا أن يذكر المهاجرون معنا، أو أن يقرنوا بنا، ولكن رب واحد كألف، بل كألوف.
وقد تقدم ذكر الشعر المنسوب إلى الوزير المغربي وما طعن به القادر بالله الخليفة العباسي في دينه بطريقه، وكان الوزير المغربي يتبرأ منه ويجحده، وقيل: إنه وجدت مسودة بخطه فرفعت إلى القادر بالله.
ومما وجد بخطه أيضا - وكان شديد العصبية للأنصار ولقحطان قاطبة، على عدنان، وكان ينتمي إلى الأزد، أزد شنوءة - قوله:
إن الذي أرسى دعائم احمد * وعلا بدعوته على كيوان أبناء قيلة وارثو شرف العلا * وعراعر الأقيال من قحطان بسيوفهم يوم الوغى وأكفهم * ضربت مصاعب ملكه بجران (1) لولا مصارعهم وصدق قراعهم * خرت عروش الدين للأذقان فليشكرن محمد أسياف من * لولاه كان كخالد بن سنان.
وهذا إفراط قبيح، ولفظ شنيع، والواجب أن يصان قدر النبوة عنه، وخصوصا البيت الأخير، فإنه قد أساء فيه الأدب، وقال ما لا يجوز قوله، وخالد بن سنان كان من بنى عبس بن بغيض، من قيس عيلان، ادعى النبوة، وقيل: إنه كانت تظهر عليه آيات ومعجزات، ثم مات وانقرض دينه ودثرت دعوته، ولم يبق إلا اسمه، وليس يعرفه كل الناس، بل البعض منهم.

(1) يقال: ضرب البعير بجرانه: إذا برك.
(١٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»
الفهرست