قال الواقدي: وقد سمعنا في أسره غير هذا، حدثني بكير بن مسمار، قال: لما انصرف المشركون عن أحد نزلوا بحمراء الأسد في أول الليل ساعة، ثم رحلوا وتركوا أبا عزة مكانه حتى ارتفع النهار، فلحقه المسلمون وهو مستنبه يتلدد، وكان الذي أخذه عاصم بن ثابت، فأمره النبي صلى الله عليه وآله فضرب عنقه.
قلت: وهذه الرواية هي الصحيحة عندي، لان المسلمين لم تكن حالهم يوم أحد حال من يتهيأ له أسر أحد من المشركين في المعركة لما أصابهم من الوهن.
فأما معاوية بن المغيرة فروى البلاذري أنه هو الذي جدع أنف حمزة ومثل به، وأنه انهزم يوم أحد فمضى على وجهه، فبات قريبا من المدينة، فلما أصبح دخل المدينة فأتى منزل عثمان بن عفان بن أبي العاص - وهو ابن عمه لحا - فضرب بابه، فقالت، أم كلثوم زوجته وهي ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس هو هاهنا، فقال: ابعثي إليه، فإن له عندي ثمن بعير ابتعته منه عام أول، وقد جئته به فإن لم يجئ ذهبت فأرسلت إليه، وهو عند رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما جاء قال لمعاوية: أهلكتني وأهلكت (1) نفسك! ما جاء بك؟ قال: يا بن عم، لم يكن أحد أقرب إلى ولا أمس رحما بي منك، فجئتك لتجيرني، فأدخله عثمان داره وصيره في ناحية منها، ثم خرج إلى النبي صلى الله عليه وآله ليأخذ له منه أمانا، فسمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
إن معاوية في المدينة، وقد أصبح بها فاطلبوه. فقال بعضهم: ما كان ليعدو منزل عثمان، فاطلبوه به، فدخلوا منزل عثمان فأشارت أم كلثوم إلى الموضع الذي صيره فيه، فاستخرجوه من تحت حمارة لهم، فانطلقوا به إلى النبي صلى الله عليه وآله، فقال عثمان حين رآه: والذي بعثك بالحق ما جئت إلا لأطلب له الأمان، فهبه لي، فوهبه له، وأجله ثلاثا،