عليهم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله بلوائه وهو معقود لم يحل من أمس، فدفعه إلى علي عليه السلام، ويقال دفعه إلى أبى بكر، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مجروح، في وجهه أثر الحلقتين، ومشجوج في جبهته في أصول الشعر، ورباعيته قد شظيت، وشفته قد كلمت من باطنها، ومنكبه الأيمن موهن بضربة ابن قميئة، وركبتاه مجحوشتان، فدخل المسجد فصلى ركعتين، والناس قد حشدوا، ونزل أهل العوالي (1) حيث جاءهم الصريخ (2). ودعا بفرسه على باب المسجد، وتلقاه طلحة بن عبيد الله، وقد سمع المنادي، فخرج ينظر متى يسير رسول الله صلى الله عليه وآله! فإذا هو وعليه الدرع والمغفر لا يرى منه إلا عيناه، فقال: يا طلحة سلاحك، قال: قريبا، قال طلحة: فأخرج، وأعدو فألبس درعي وآخذ سيفي، وأطرح درقتي في صدري، وإن بي لتسع جراحات، ولأنا أهتم بجراح رسول الله صلى الله عليه وآله مني بجراحي، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على طلحة، فقال: أين ترى القوم الان؟ قال: هم بالسيالة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ذلك الذي ظننت، أما إنهم يا طلحة لن ينالوا منا مثل أمس حتى يفتح الله مكة علينا، قال: وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم، فانقطع أحدهم، وانقطع قبال نعل الاخر، ولحق الثالث بقريش وهم بحمراء الأسد، ولهم زجل (3) يأتمرون (4) في الرجوع إلى المدينة، وصفوان بن أمية ينهاهم عن ذلك، ولحق الذي انقطع قبال نعله بصاحبه، فبصرت قريش بالرجلين، فعطفت عليهما، فأصابوهما، وانتهى المسلمون إلى مصرعهما بحمراء الأسد، فقبرهما رسول الله صلى الله عليه وآله في قبر واحد، فهما القرينان.
(٥٧)