بطونا أي خفى، وظهر ظهورا، أي تجلى، يقول: لا يمنعه خفاؤه عن العقول أن تدركه عند ظهوره بأفعاله لها وإن لم يكن ظاهرا بذاته، وكذلك لا يقطعه ظهوره بأفعاله عن أن يخفى كنهه عن إبصار العقول وإدراكها له. ويقال: اجتننت كذا، أي سترته، ومنه الجنين، والجنة للترس، وسمى الجن جنا لاستتارهم.
ثم زاد المعنى تأكيدا فقال: (قرب فنأى)، أي قرب فعلا فنأى ذاتا، أي أفعاله قد تعلم، ولكن ذاته لا تعلم.
ثم قال: (وعلا فدنا)، أي لما علا عن أن تحيط به العقول عرفته العقول، لا أنها عرفت ذاته، لكن عرفت أنه شئ لا يصح أن يعرف، وذلك خاصته سبحانه، فإن ماهيته يستحيل أن تتصور للعقل لا في الدنيا ولا في الآخرة، بخلاف غيره من الممكنات.
ثم أكد المعنى بعبارة أخرى، قال: (وظهر فبطن، وبطن فعلن)، وهذا مثل الأول. ودان: غلب وقهر، ولم يدن: لم يقهر ولم يغلب.
ثم قال: (لم يذرأ الخلق باحتيال)، أي لم يخلقهم بحيلة توصل بها إلى إيجادهم، بل أوجدهم على حسب علمه بالمصلحة خلقا مخترعا من غير سبب ولا واسطة.
قال: (ولا استعان بهم لكلال)، أي لإعياء، أي لم يأمر المكلفين بالجهاد لحاجته في قهر أعدائه، وجاحدي نعمته إليهم، وليس بكال ولا عاجز عن إهلاكهم، ولكن الحكمة اقتضت ذلك. قال سبحانه: ﴿ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض﴾ (1) أي لبطل التكليف.
ثم ذكر أن التقوى قوام الطاعات التي تقوم بها، وزمام العبادات لأنها تمسك وتحصن، كزمام الناقة المانع لها من الخبط.