أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فإنها الزمام والقوام، فتمسكوا بوثائقها، واعتصموا بحقائقها، تؤل بكم إلى أكنان الدعة، وأوطان السعة، ومعاقل الحرز، ومنازل العز، في يوم تشخص فيه الابصار، وتظلم له الأقطار، وتعطل فيه صروم العشار، وينفخ في الصور، فتزهق كل مهجة، وتبكم كل لهجة، وتذل الشم الشوامخ، والصم الرواسخ، فيصير صلدها سرابا رقراقا، ومعهدها قاعا سملقا، فلا شفيع يشفع، ولا حميم ينفع، ولا معذرة تدفع.
* * * الشرح:
أظهر سبحانه من آثار سلطانه، نحو خلق الأفلاك ودخول بعضها في بعض، كالمميل الذي يشتمل على المائل، وفلك التدوير وغيرهما، ونحو خلق الانسان وما تدل كتب التشريح من عجيب الحكمة فيه، ونحو خلق النبات والمعادن، وترتيب العناصر وعلاماتها، والآثار العلوية المتجددة، حسب تجدد أسبابها، ما حير عقول هؤلاء، وأشعر بأنها إذا لم تحط بتفاصيل تلك الحكم مع أنها مصنوعة (1)، فالأولى ألا تحيط بالصانع الذي هو برئ عن المادة وعلائق الحس.
والمقل: جمع مقلة، وهي شحمة العين التي تجمع السواد والبياض، ومقلت الشئ:
نظرت إليه بمقلتي، وأضاف المقل إلى (العقول) مجازا ومراده البصائر.
وردع: زجر ودفع. وهماهم النفوس: أفكارها وما يهمهم به عند التمثيل والروية في الامر، وأصل الهمهمة، صويت يسمع، لا يفهم محصوله.