قريش وانحرافها ما لم يتفق لأحد، وكانت قريش بمقدار ذلك البغض، تحب طلحة والزبير، لان الأسباب الموجبة لبغضهم له لم تكن موجودة فيهما، وكانا يتألفان قريشا في أواخر أيام عثمان، ويعدانهم بالعطاء والإفضال، وهما عند أنفسهما وعند الناس خليفتان بالقوة لا بالفعل، لان عمر نص عليهما وارتضاهما للخلافة، وعمر متبع القول ومرضى الفعال، موفق مؤيد مطاع، نافذ الحكم في حياته وبعد وفاته، فلما قتل عثمان، أرادها طلحة، وحرص عليها، فلولا الأشتر وقوم معه من شجعان العرب جعلوها في علي لم تصل إليه أبدا، فلما فاتت طلحة والزبير، فتقا ذلك الفتق العظيم على على، وأخرجا أم المؤمنين معهما، وقصدا العراق، وأثارا الفتنة، وكان من حرب الجمل ما قد علم وعرف، ثم كانت حرب الجمل مقدمة وتمهيدا لحرب صفين، فإن معاوية لم يكن ليفعل ما فعل، لولا طمعه بما جرى في البصرة، ثم أوهم أهل الشام أن عليا قد فسق بمحاربة أم المؤمنين، ومحاربة المسلمين، وأنه قتل طلحة والزبير، وهما من أهل الجنة، ومن يقتل مؤمنا من أهل الجنة فهو من أهل النار، فهل كان الفساد المتولد في صفين إلا فرعا للفساد الكائن يوم الجمل! ثم نشأ من فساد صفين وضلال معاوية كل ما جرى من الفساد والقبيح في أيام بنى أمية، ونشأت فتنة ابن الزبير فرعا من فروع يوم الدار، لان عبد الله كان يقول: إن عثمان لما أيقن بالقتل نص على بالخلافة، ولى بذلك شهود، ومنهم مروان بن الحكم. أفلا ترى كيف تسلسلت هذه الأمور فرعا على أصل، وغصنا من شجرة، وجذوة من ضرام! هكذا يدور بعضه على بعض، وكله من الشورى في الستة.
قال: وأعجب من ذلك قول عمر وقد قيل له: إنك استعملت يزيد بن أبي سفيان وسعيد بن العاص ومعاوية وفلانا وفلانا من المؤلفة قلوبهم من الطلقاء وأبناء الطلقاء، وتركت أن تستعمل عليا والعباس والزبير وطلحة! فقال: أما على فأنبه من ذلك، وأما هؤلاء النفر