لم يقم منه صورة حجة تغنى، ولا دلالة تحسب وتكفي، ولذلك لم يحتج علي عليه السلام يوم السقيفة بما ورد فيه، لأنه لم يكن نصا جليا يقطع العذر، ويوجب الحجة، وعادة الملوك إذا تمهد ملكهم، وأرادوا العقد لولد من أولادهم، أو ثقة من ثقاتهم، أن يصرحوا بذكره، ويخطبوا باسمه على أعناق المنابر، وبين فواصل الخطب، ويكتبوا بذلك إلى الآفاق البعيدة عنهم، والأقطار النائية منهم، ومن كان منهم ذا سرير وحصن ومدن كثيرة، ضرب اسمه على صفحات الدنانير والدراهم مع اسم ذلك الملك، بحيث تزول الشبهة في أمره، ويسقط الارتياب بحاله، فليس أمر الخلافة بهين ولا صغير ليترك حتى يصير في مظنة الاشتباه واللبس، ولعله كان لرسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك عذر لا نعلمه نحن، إما خشية من فساد الامر أو إرجاف المنافقين، وقولهم: إنها ليس بنبوة وإنما هي ملك به أوصى لذريته وسلالته، ولما لم يكن أحد من تلك الذرية في تلك الحال صالحا للقيام بالامر لصغر السن، جعله لأبيهم، ليكون في الحقيقة لزوجته التي هي ابنته ولأولاده منها من بعده.
وأما ما تقوله المعتزلة وغيرهم من أهل العدل: إن الله تعالى علم أن المكلفين يكونون على ترك الامر مهملا غير معين أقرب إلى فعل الواجب وتجنب القبيح. قال: ولعل رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن يعلم في مرضه أنه يموت في ذلك المرض، وكان يرجو البقاء فيمهد للإمامة قاعدة واضحة، ومما يدل على ذلك أنه لما نوزع في إحضار الدواة والكتف ليكتب لهم مالا يضلون بعده، غضب وقال: اخرجوا عنى، لم يجمعهم بعد الغضب ثانية و يعرفهم رشدهم، ويهديهم إلى مصالحهم، بل أرجأ الامر إرجاء من يرتقب الإفاقة و ينتظر العافية.
قال: فبتلك الأقوال المحجمة، والكنايات المحتملة، والرموز المشتبهة مثل حديث