ثم عاد إلى الرجاء، فقال: يرجو هذا الانسان الله في الكثير أي يرجو رحمته في الآخرة، ولا يتعلق رجاؤه بالله تعالى إلا في هذا الموضع، فأما ما عدا ذلك من أمور الدنيا كالمكاسب والأموال والجاه والسلطان واندفاع المضار والتوصل إلى الأغراض بالشفاعات والتوسلات، فإنه لا يخطر له الله تعالى ببال، بل يعتمد في ذلك على السفراء والوسطاء ويرجو حصول هذه المنافع، ودفع هذه المضار من أبناء نوعه من البشر، فقد أعطى العباد من رجائه ما لم يعطه الخالق سبحانه، فهو مخطئ، لأنه إما أن يكون هو في نفسه صالحا لان يرجوه سبحانه، وإما ألا يكون الباري تعالى في نفسه صالحا لان يرجى، فإن كان الثاني فهو كفر صراح، وإن كان الأول فالعبد مخطئ حيث لم يجعل نفسه مستعدا لفعل الصالحات، لان يصلح لرجاء الباري سبحانه.
ثم انتقل عليه السلام إلى الخوف، فقال: وكذلك إن خاف هذا الانسان عبدا مثله، خافه أكثر من خوفه الباري سبحانه، لان كثيرا من الناس يخافون السلطان وسطوته أكثر من خوفهم مؤاخذة الباري سبحانه، وهذا مشاهد ومعلوم من الناس، فخوفهم بعضهم من بعض كالنقد المعجل، وخوفهم من خالقهم ضمار ووعد. والضمار: مالا يرجى من الوعود والديون. قال الراعي:
حمدن مزاره وأصبن منه * عطاء لم يكن عدة ضمارا (1) ثم قال: " وكذلك من عظمت الدنيا في عينه " يختارها على الله، ويستعبده حبها.
ويقال: كبر بالضم، يكبر أي عظم، فهو كبير وكبار بالتخفيف، فإذا أفرط قيل: