ثم أخذ في تفخيم شأن ذلك الحمد وتعظيمه والمبالغة في وصفه، احتذاء بقول رسول الله صلى الله عليه وآله: " الحمد لله زنة عرشه، الحمد لله عدد خلقه، الحمد لله ملء سمائه وأرضه " فقال عليه السلام: " حمدا يكون أرضى الحمد لك " أي يكون رضاك له أوفى وأعظم من رضاك بغيره، وكذلك القول في: " أحب " و " أفضل ".
قوله: " ويبلغ ما أردت " أي هو غاية ما تنتهى إليه الإرادة، وهذا كقول الاعرابية في صفة المطر: غشينا ما شئنا، وهو من فصيح الكلام.
قوله: " لا يحجب عنك " لان الاخلاص يقارنه، والرياء منتف عنه.
قوله: " ولا يقصر دونك " أي لا يحبس، أي لا مانع عن وصوله إليك، وهذا من باب التوسع، ومعناه أنه برئ من الموانع عن إثماره الثواب واقتضائه إياه، وروى " ولا يقصر " من القصور، وروى " ولا يقصر " من التقصير.
ثم أخذ في بيان أن العقول قاصرة عن إدراك الباري سبحانه والعلم به، وأنا إنما نعلم منه صفات إضافية أو سلبية، كالعلم بأنه حي، ومعنى ذلك أنه لا يستحيل على ذاته أن يعلم ويقدر، وأنه قيوم بمعنى أن ذاته لا يجوز عليها العدم، أي يقيم الأشياء ويمسكها وكل شئ يقيم الأشياء كلها ويمسكها، فليس بمحتاج إلى من يقيمه ويمسكه، وإلا لم يكن مقيما وممسكا لكل شئ، وكل من ليس بمحتاج إلى من يقيمه ويمسكه، فذاته لا يجوز عليها العدم، وأنه تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم، لان هذا من صفات الأجسام، وما لا يجوز عليه العدم لا يكون جسما، ولا يوصف بخواص الأجسام ولوازمها، فإنه لا ينتهى إليه نظر لان انتهاء النظر إليه، يستلزم مقابلته وهو تعالى منزه عن الجهة، وإلا لم يكن ذاته مستحيلا عليها العدم، وأنه لا يدركه بصر، لان إبصار الأشياء بانطباع أمثلتها في الرطوبة الجليدية كانطباع أشباح المرئيات في المرآة، والباري تعالى لا يتمثل، ولا يتشبح، وإلا لم يكن