خضرة البقل كانت ترى في بطنه من الهزال، وإنه ما سأل الله إلا أكله من الخبز. وما في (لما أنزلت) بمعنى أي، أي إني لأي شئ أنزلت إلى، قليل أو كثير، غث أو سمين، فقير.
فإن قلت: لم عدى " فقيرا " باللام، وإنما يقال: " فقير إلى كذا "؟
قلت: لأنه ضمن معنى " سائل " و " مطالب " ومن فسر الآية بغير ما ذكره عليه السلام لم يحتج إلى الجواب عن هذا السؤال، فإن قوما قالوا: أراد: إني فقير من الدنيا لأجل ما أنزلت إلى من خير، أي من خير الدين وهو النجاة من الظالمين، فإن ذلك رضا بالبدل السني، وفرحا به وشكرا له.
وتشذب اللحم: تفرقه. والمزامير: جمع مزمار، وهو الآلة التي يزمر فيها، ويقال زمر يزمر ويزمر، بالضم والكسر، فهو زمار، ولا يكاد يقال: زامر ويقال للمرأة زامرة، ولا يقال زمارة، فأما الحديث أنه نهى عن كسب الزمارة، فقالوا: إنها الزانية هاهنا. ويقال: إن داود أعطى من طيب النغم ولذة ترجيح القراءة ما كانت الطيور لأجله تقع عليه وهو في محرابه، والوحش تسمعه فتدخل بين الناس ولا تنفر منهم لما قد استغرقها من طيب صوته. وقال النبي صلى الله عليه وآله لأبي موسى، وقد سمعه يقرأ: " لقد أوتيت مزمارا من مزامير داود " وكان أبو موسى شجى الصوت إذا قرأ. وورد في الخبر: " داود قارئ أهل الجنة ".
وسفائف الخوص: جمع سفيفة، وهي النسيجة منه، سففت الخوص وأسففته بمعنى وهذا الذي ذكره عليه السلام عن داود يجب أن يحمل على أنه شرح حاله قبل أن يملك فإنه كان فقيرا، فأما حيث ملك فإن المعلوم من سيرته غير ذلك.
فأما عيسى فحاله كما ذكرها عليه السلام، لا ريب في ذلك، على أنه أكل اللحم وشرب