ثم أقسم على كذب هذا الزاعم، فقال: " والعظيم " ولم يقل: والله العظيم، تأكيدا لعظمة البارئ سبحانه، لان الموصوف إذا ألقى وترك واعتمد على الصفة حتى صارت كالاسم، كان أدل على تحقق مفهوم الصفة، كالحارث والعباس.
ثم بين مستند هذا التكذيب فقال: ما بال هذا الزاعم! إنه يرجو ربه، ولا يظهر رجاؤه في عمله، فإنا نرى من يرجو واحدا من البشر يلازم بابه، ويواظب على خدمته ويتحبب إليه، ويتقرب إلى قلبه بأنواع الوسائل والقرب، ليظفر بمراده منه، ويتحقق رجاؤه فيه، وهذا الانسان الذي يزعم أنه يرجو الله تعالى، لا يظهر من أعماله الدينية ما يدل على صدق دعواه، ومراده عليه السلام هاهنا ليس شخصا بعينه، بل كل إنسان هذه صفته، فالخطاب له والحديث معه.
ثم قال: " كل رجاء إلا رجاء الله فهو مدخول " أي معيب، والدخل بالتسكين: العيب والريبة. ومن كلامهم: " ترى الفتيان كالنخل، وما يدريك ما الدخل " (١)، وجاء " الدخل " بالتحريك أيضا، يقال: هذا الامر فيه دخل ودغل، بمعنى قوله تعالى: ﴿ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم﴾ (2) أي مكرا وخديعة، وهو من هذا الباب أيضا.
ثم قال: " وكل خوف محقق إلا خوف الله فإنه معلول " محقق، أي ثابت، أي كل خوف حاصل حقيقة فإنه مع هذا الحصول والتحقق معلول ليس بالخوف الصريح، إلا خوف الله وحده وتقواه، وهيبته وسطوته وسخطه، ذلك لان الامر الذي يخاف من العبد سريع الانقضاء والزوال، والامر الذي يخاف من الباري تعالى لا غاية له ولا انقضاء لمحذوره كما قيل في الحديث المرفوع: " فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة ".