الخلافة وبطلان منازعة الخصم ما قد نقله الناقلون فأكثروا، واستمرت الأمور على هذا مدة خلافة أبيها وخلافة عمر وعثمان، والقلوب تغلي، والأحقاد تذيب الحجارة، وكلما طال الزمان على على تضاعفت همومه وغمومه، وباح بما في نفسه، إلى أن قتل عثمان، وقد كانت عائشة فيها أشد الناس عليه تأليبا وتحريضا، فقالت: أبعده الله! لما سمعت قتله وأملت أن تكون الخلافة في طلحة فتعود الامرة تيمية، كما كانت أولا، فعدل الناس عنه إلى علي بن أبي طالب، فلما سمعت ذلك صرخت: وا عثماناه " قتل عثمان مظلوما وثار ما في الأنفس، حتى تولد من ذلك يوم الجمل وما بعده.
هذه خلاصة كلام الشيخ أبى يعقوب رحمه الله، ولم يكن يتشيع، وكان شديدا في الاعتزال إلا أنه في التفضيل كان بغداديا.
* * * فأما قوله عليه السلام: " ولو دعيت لتنال من غيري مثل ما أتت إلى، لم تفعل " فإنما يعنى به عمر، يقول: لو أن عمر ولى الخلافة بعد قتل عثمان على الوجه الذي قتل عليه والوجه الذي أنا وليت الخلافة عليه ونسب إلى عمر أنه كان يؤثر قتله أو يحرض عليه ودعيت عائشة إلى أن تخرج عليه في عصابة من المسلمين إلى بعض بلاد الاسلام، تثير فتنة وتنقض البيعة - لم تفعل، وهذا حق لأنها لم تكن تجد على عمر ما تجده على علي عليه السلام، ولا الحال الحال.
فأما قوله: " ولها بعد حرمتها الأولى، والحساب على الله " فإنه يعنى بذلك حرمتها بنكاح رسول الله صلى الله عليه وآله لها، وحبه إياها. وحسابها على الله، لأنه غفور رحيم لا يتعاظم عفوه زلة، ولا يضيق عن رحمته ذنب.