ووجم علي عليه السلام من ذلك وكذلك فاطمة، وكانا يؤثران، ويريدان أن تتميز مارية عليها بالولد، فلم يقدر لهما ولا لمارية ذلك، وبقيت الأمور على ما هي عليه، وفى النفوس ما فيها، حتى مرض رسول الله صلى الله عليه وآله المرض الذي توفى فيه، وكانت فاطمة عليها السلام وعلي عليه السلام يريدان أن يمرضاه في بيتهما، وكذلك كان أزواجه كلهن فمال إلى بيت عائشة بمقتضى المحبة القلبية التي كانت لها دون نسائه، وكره أن يزاحم فاطمة وبعلها في بيتهما، فلا يكون عنده من الانبساط لوجودهما ما يكون إذا خلا بنفسه في بيت من يميل إليه بطبعه، وعلم أن المريض يحتاج إلى فضل مداراة ونوم ويقظة وانكشاف وخروج حدث، فكانت نفسه إلى بيته أسكن منها إلى بيت صهره وبنته، فإنه إذا تصور حياءهما منه استحيا هو أيضا منهما، وكل أحد يحب أن يخلو بنفسه، ويحتشم الصهر والبنت، ولم يكن له إلى غيرها من الزوجات مثل ذلك الميل إليها، فتمرض في بيتها فغبطت على ذلك، ولم يمرض رسول الله صلى الله عليه وآله منذ قدم المدينة مثل هذا المرض، وإنما كان مرضه الشقيقة (1) يوما أو بعض يوم ثم يبرأ، فتطاول هذا المرض، وكان علي عليه السلام لا يشك أن الامر له، وأنه لا ينازعه فيه أحد من الناس، ولهذا قال له عمه وقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله: امدد يدك أبايعك، فيقول الناس:
عم رسول الله صلى الله عليه وآله: بايع ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يختلف عليك اثنان. قال: يا عم، وهل يطمع فيها طامع غيري! قال: ستعلم، قال: فإني لا أحب هذا الامر من وراء رتاج وأحب أن أصحر به (2). فسكت عنه، فلما ثقل (3) رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه، أنفذ جيش أسامة، وجعل فيه أبا بكر وغيره من أعلام