اتهمت نفسك للناس، اتهم الناس أنفسهم لك، ولو أنك نزلت مما رقيت وارتقوا مما نزلوا، فأخذت منهم وأخذوا منك، ما كان بذلك بأس.
قال عثمان: فذلك إليك يا خال، وأنت بيني وبينهم. قال: أفأذكر لهم ذلك عنك؟
قال: نعم، وانصرف، فما لبثنا أن قيل: هذا أمير المؤمنين قد رجع بالباب، قال أبى:
ائذنوا له، فدخل فقام قائما، ولم يجلس، وقال: لا تعجل يا خال حتى أؤذنك، فنظرنا فإذا مروان بن الحكم كان جالسا بالباب ينتظره حتى خرج فهو، الذي ثناه عن رأيه الأول، فأقبل على أبى، وقال يا بنى، ما إلى هذا من أمره شئ، ثم قال: يا بنى، أملك عليك لسانك حتى ترى ما لا بد منه، ثم رفع يديه، فقال: اللهم أسبق بي ما لا خير لي في إدراكه. فما مرت جمعة حتى مات رحمه الله.
* * * وروى أبو العباس المبرد في " الكامل " عن قنبر مولى علي عليه السلام قال، دخلت مع علي على عثمان، فأحبا الخلوة، فأومأ إلى علي عليه السلام بالتنحي، فتنحيت غير بعيد، فجعل عثمان يعاتبه وعلى مطرق، فأقبل عليه عثمان، وقال: مالك لا تقول! قال: إن قلت لم أقل إلا ما تكره، وليس لك عندي إلا ما تحب.
قال أبو العباس: تأويل ذلك: إن قلت اعتددت عليك بمثل ما اعتددت به على، فلذعك عتابي، وعقدي ألا أفعل - وإن كنت عاتبا - إلا ما تحب (1).
وعندي فيه تأويل آخر، وهو: إني إن قلت واعتذرت فأي شئ حسنته من الاعذار لم يكن ذلك عندك مصدقا، ولم يكن إلا مكروها غير مقبول، والله تعالى يعلم أنه ليس لك عندي في باطني وما أطوى عليه جوانحي إلا ما تحب، وإن كنت لا تقبل المعاذير التي أذكرها، بل تكرهها وتنبو نفسك عنها.
* * *