المكلفين بالأحكام الشرعية المقربة إلى الواجبات العقلية، والمبعدة من المقبحات العقلية، ولا مدخل للرسول في معرفة البارئ سبحانه، لان العقل يوجبها، وإن لم يبعث الرسل!
قلت: إن كثيرا من شيوخنا أوجبوا بعثه الرسل، إذا كان في حثهم المكلفين على ما في العقول فائدة، وهو مذهب شيخنا أبى على رحمه الله، فلا يمتنع أن يكون إرسال محمد صلى الله عليه وآله إلى العرب وغيرهم، لان الله تعالى علم أنهم مع تنبيهه إياهم - على ما هو واجب في عقولهم من المعرفة - أقرب إلى حصول المعرفة، فحينئذ يكون بعثه لطفا، ويستقيم كلام أمير المؤمنين.
* * * الأصل:
وإنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شئ أخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله، وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلى حق تلاوته، ولا أنفق منه إذا حرف عن مواضعه، ولا في البلاد شئ أنكر من المعروف، ولا أعرف من المنكر، فقد نبذ الكتاب حملته، وتناساه حفظته، فالكتاب يومئذ وأهله طريدان منفيان، وصاحبان مصطحبان، في طريق واحد لا يؤويهما مؤو، فالكتاب وأهله في ذلك الزمان في الناس وليسا فيهم ومعهم وليسا معهم لان الضلالة لا توافق الهدى وإن اجتمعا. فاجتمع القوم على الفرقة، وافترقوا عن الجماعة، كأنهم أئمة الكتاب، وليس الكتاب إمامهم، فلم يبق عندهم منه إلا اسمه، ولا يعرفون إلا خطه وزبره، ومن قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثلة، وسموا صدقهم على الله فرية، وجعلوا في الحسنة عقوبة السيئة، وإنما هلك