فاستطردوا لهم، فإنهم يطمعون بذلك، ثم تعطف عليهم حتى يقضى الله بيننا وبينهم بما يحب.
ففعل النعمان ذلك، فكان كما ظن طليحة، وانقطع العجم عن حصونهم بعض الانقطاع، فلما أمعنوا في الانكشاف للمسلمين حمل النعمان بالناس، فاقتتلوا قتالا شديدا لم يسمع السامعون مثله، وزلق بالنعمان فرسه فصرع وأصيب، وتناول الراية نعيم أخوه، فأتى حذيفة لها فدفعها إليه، وكتم المسلمون مصاب أميرهم، واقتتلوا حتى أظلم الليل، ورجعوا والمسلمون وراءهم، فعمى عليهم قصدهم فتركوه، وغشيهم المسلمون بالسيوف، فقتلوا منهم مالا يحصى، وأدرك المسلمون الفيروزان وهو هارب، وقد انتهى إلى ثنية مشحونة (1) ببغال موقرة عسلا، فحبسته على أجله، فقتل، فقال المسلمون: إن لله جنودا من عسل.
ودخل المسلمون نهاوند فاحتووا على ما فيها، وكانت أنفال هذا اليوم عظيمة، فحملت إلى عمر، فلما رآها بكى، فقال له المسلمون: إن هذا اليوم يوم سرور وجذل، فما بكاؤك؟
قال: ما أظن أن الله تعالى زوى (2) هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر إلا لخير أراده بهما، ولا أراه فتحه على إلا لشر أريد بي، إن هذا المال لا يلبث أن يفتن الناس.
ثم رفع يده إلى السماء يدعو ويقول: اللهم اعصمني ولا تكلني إلى نفسي، يقولها مرارا، ثم قسمه بين المسلمين عن آخره.