وكان عسكر سعد بضعا وثلاثين ألفا، وأقام رستم بريدا من الرجال، الواحد منهم إلى جانب الاخر، من القادسية إلى المدائن، كلما تكلم رستم كلمة أداها بعضهم إلى بعض، حتى تصل إلى سمع يزدجرد في وقتها، وشهد وقعة القادسية مع المسلمين طليحة بن خويلد، وعمرو بن معديكرب، والشماخ بن ضرار، وعبدة بن الطبيب الشاعر، وأوس بن معن الشاعر وقاموا في الناس ينشدونهم الشعر ويحرضونهم، وقرن أهل فارس أنفسهم بالسلاسل لئلا يهربوا، فكان المقرنون منهم نحو ثلاثين ألفا، والتحم الفريقان في اليوم الأول، فحملت الفيلة التي مع رستم على الخيل فطحنتها، وثبت لها جمع من الرجالة، وكانت ثلاثة وثلاثين فيلا، منها فيل الملك، وكان أبيض عظيما، فضربت الرجال خراطيم الفيلة بالسيوف فقطعتها، وارتفع عواؤها وأصيب في هذا اليوم - وهو اليوم الأول - خمسمائة من المسلمين، وألفان من الفرس. ووصل في الثاني أبو عبيدة بن الجراح من الشام في عساكر من المسلمين، فكان مددا لسعد، وكان هذا اليوم على الفرس أشد من اليوم الأول قتل من المسلمين ألفان، ومن المشركين عشرة آلاف. وأصبحوا في اليوم الثالث على القتال، وكان عظيما على العرب والعجم معا، وصبر الفريقان، وقامت الحرب ذلك اليوم، وتلك الليلة جمعاء لا ينطقون، كلامهم الهرير، فسميت ليلة الهرير.
وانقطعت الاخبار والأصوات عن سعد ورستم، وانقطع سعد إلى الصلاة والدعاء والبكاء، وأصبح الناس حسرى لم يغمضوا ليلتهم كلها، والحرب قائمة بعد إلى وقت الظهر، فأرسل الله تعالى ريحا عاصفا في اليوم الرابع، أمالت الغبار والنقع على العجم، فانكسروا، ووصلت العرب إلى سرير رستم، وقد قام عنه ليركب جملا، وعلى رأسه العلم فضرب هلال بن علقمة الحمل الذي رستم فوقه، فقطع حباله، ووقع على هلال أحد العدلين، فأزال فقار ظهره، ومضى رستم نحو العتيق، فرمى نفسه فيه، واقتحم هلال عليه، فأخذ