بمن معك ومن عندك، قل في نفسك ما تكاثر من عدد القوم، وكنت أعز عزا وأكثر، إنك لا تستبقي من نفسك بعد اليوم (1) باقية، ولا تمتع من الدنيا بعزيز، ولا تكون منها في حرز حريز. إن هذا اليوم له ما بعده، فاشهد بنفسك ورأيك وأعوانك، ولا تغب عنه.
قال أبو جعفر: وقام طلحة، فقال: أما بعد يا أمير المؤمنين، فقد أحكمتك الأمور، وعجمتك البلايا، وحنكتك (2) التجارب، وأنت وشأنك، وأنت ورأيك، لا ننبو في يديك، ولا نكل أمرنا إلا إليك، فأمرنا نجب، وادعنا نطع، واحملنا نركب، وقدنا ننقد، فإنك ولى هذا الامر، وقد بلوت وجربت واختبرت، فلم ينكشف شئ من عواقب الأمور لك إلا عن خيار.
فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: أما بعد، فإن هذا الامر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، إنما هو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعزه وأمده بالملائكة، حتى بلغ ما بلغ، فنحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصر جنده، وإن مكانك منهم مكان النظام من الخرز، يجمعه ويمسكه، فأن انحل تفرق ما فيه وذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا، والعرب اليوم وإن كانوا قليلا، فإنهم كثير عزيز بالاسلام، أقم مكانك، واكتب إلى أهل الكوفة، فإنهم أعلام العرب ورؤساؤهم، وليشخص منهم الثلثان، وليقم الثلث، واكتب إلى أهل البصرة أن يمدوهم ببعض من عندهم، ولا تشخص الشام ولا اليمن، إنك إن أشخصت أهل الشام من شامهم، سارت الروم إلى ذراريهم، وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم، ومتى شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أقطارها وأطرافها، حتى يكون ما تدع وراءك أهم إليك مما بين يديك من العورات والعيالات. إن الأعاجم إن ينظروا