واقف على التل، يبصر ويشاهد، فقال: تبا لهذه الرجال وقبحا! أما فيهم من يقتل هذا مبارزة أو غيلة، أو في اختلاط الفيلق وثوران النقع! فقال الوليد بن عقبة: أبرز إليه أنت فإنك أولى الناس بمبارزته، فقال: والله لقد دعاني إلى البراز حتى لقد استحييت من قريش، وإني والله لا أبرز إليه، ما جعل العسكر بين يدي الرئيس إلا وقاية، له فقال عتبة بن أبي سفيان: الهوا عن هذا كأنكم لم تسمعوا نداءه فقد علمتم أنه قتل حريثا، وفضح عمرا ولا أرى أحدا يتحكك به إلا قتله. فقال معاوية لبسر بن أرطاة: أتقوم لمبارزته؟ فقال:
ما أحد أحق بها منك، أما إذ بيتموه فأنا له، قال معاوية: إنك ستلقاه غدا في أول الخيل وكان عند بسر ابن عم له قدم من الحجاز يخطب ابنته، فأتى بسرا، فقال له: إني سمعت أنك وعدت من نفسك أن تبارز عليا، أما تعلم أن الوالي من بعد معاوية عتبة ثم بعده محمد أخوه، وكل من هؤلاء قرن على، فما يدعوك إلى ما أرى! قال: الحياء، خرج منى كلام، فأنا أستحي أن أرجع عنه. فضحك الغلام، وقال:
تنازله يا بسر إن كنت مثله * وإلا فإن الليث للشاء آكل (1) كأنك يا بسر بن أرطاة جاهل * بآثاره في الحرب أو متجاهل معاوية الوالي وصنواه بعده * وليس سواء مستعار وثاكل أولئك هم أولى به منك إنه * على فلا تقربه، أمك هابل!
متى تلقه فالموت في رأس رمحه * وفي سيفه شغل لنفسك شاغل وما بعده في آخر الخيل عاطف * ولا قبله في أول الخيل حامل.
فقال بسر: هل هو إلا الموت، لابد من لقاء الله فغدا علي عليه السلام منقطعا من خيله، ويده في يد الأشتر وهما يتسايران رويدا يطلبان التل ليقفا عليه إذ برز له بسر مقنعا في الحديد، لا يعرف فناداه أبرز إلى أبا حسن، فانحدر إليه على تؤده غير مكترث به