شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ٢٤٠
التتر على هذا الظن، وسارت على هذا الوهم فلما قربوا من بغداد، وشارفوا الوصول إلى المعسكر، أخرج المستعصم بالله الخليفة مملوكه وقائد جيوشه شرف الدين إقبالا الشرابي إلى ظاهر السور، وكان خروجه في ذلك اليوم من لطف الله تعالى بالمسلمين، فإن التتار لو وصلوا وهو بعد لم يخرج، لاضطرب العسكر، لأنهم كانوا يكونون بغير قائد ولا زعيم، بل كل واحد منهم أمير نفسه، وآراؤهم مختلفة لا يجمعهم رأى واحد، ولا يحكم عليها حاكم واحد، فكانوا في مظنة الاختلاف والتفرق، والاضطراب والتشتت، فكان خروج شرف الدين إقبال الشرابي في اليوم السادس عشر من هذا الشهر المذكور، ووصلت التتر إلى سور البلد في اليوم السابع عشر، فوقفوا بإزاء عساكر بغداد صفا واحدا، وترتب العسكر البغدادي ترتيبا منتظما، ورأي التتر من كثرتهم وجودة سلاحهم وعددهم وخيولهم، ما لم يكونوا يظنونه ولا يحسبونه، وانكشف ذلك الوهم الذي أوهمهم جواسيسهم عن الفساد والبطلان.
وكان مدبر أمر الدولة والوزارة في هذا الوقت هو الوزير مؤيد الدين محمد بن أحمد بن العلقمي، ولم يحضر الحرب، بل كان ملازما ديوان الخلافة بالحضرة، لكنه كان يمد العسكر الاسلامي من آرائه وتدبيراته بما ينتهون إليه ويقفون عنده، فحملت التتار على عسكر بغداد حملات متتابعة، ظنوا أن واحدة منها تهزمهم، لأنهم قد اعتادوا أنه لا يقف عسكر من العساكر بين أيديهم، وأن الرعب والخوف منهم يكفي ويغني عن مباشرتهم الحرب بأنفسهم، فثبت لهم عسكر بغداد أحسن ثبوت، ورشقوهم بالسهام، ورشقت التتار أيضا بسهامها، وأنزل الله سكينته على عسكر بغداد، وأنزل بعد السكينة نصره، فما زال العسكر البغدادي تظهر عليه أمارات القوة، وتظهر على التتار أمارات الضعف والخذلان، إلى أن حجز الليل بين الفريقين، ولم يصطدم الفيلقان، وإنما
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303