التتر على هذا الظن، وسارت على هذا الوهم فلما قربوا من بغداد، وشارفوا الوصول إلى المعسكر، أخرج المستعصم بالله الخليفة مملوكه وقائد جيوشه شرف الدين إقبالا الشرابي إلى ظاهر السور، وكان خروجه في ذلك اليوم من لطف الله تعالى بالمسلمين، فإن التتار لو وصلوا وهو بعد لم يخرج، لاضطرب العسكر، لأنهم كانوا يكونون بغير قائد ولا زعيم، بل كل واحد منهم أمير نفسه، وآراؤهم مختلفة لا يجمعهم رأى واحد، ولا يحكم عليها حاكم واحد، فكانوا في مظنة الاختلاف والتفرق، والاضطراب والتشتت، فكان خروج شرف الدين إقبال الشرابي في اليوم السادس عشر من هذا الشهر المذكور، ووصلت التتر إلى سور البلد في اليوم السابع عشر، فوقفوا بإزاء عساكر بغداد صفا واحدا، وترتب العسكر البغدادي ترتيبا منتظما، ورأي التتر من كثرتهم وجودة سلاحهم وعددهم وخيولهم، ما لم يكونوا يظنونه ولا يحسبونه، وانكشف ذلك الوهم الذي أوهمهم جواسيسهم عن الفساد والبطلان.
وكان مدبر أمر الدولة والوزارة في هذا الوقت هو الوزير مؤيد الدين محمد بن أحمد بن العلقمي، ولم يحضر الحرب، بل كان ملازما ديوان الخلافة بالحضرة، لكنه كان يمد العسكر الاسلامي من آرائه وتدبيراته بما ينتهون إليه ويقفون عنده، فحملت التتار على عسكر بغداد حملات متتابعة، ظنوا أن واحدة منها تهزمهم، لأنهم قد اعتادوا أنه لا يقف عسكر من العساكر بين أيديهم، وأن الرعب والخوف منهم يكفي ويغني عن مباشرتهم الحرب بأنفسهم، فثبت لهم عسكر بغداد أحسن ثبوت، ورشقوهم بالسهام، ورشقت التتار أيضا بسهامها، وأنزل الله سكينته على عسكر بغداد، وأنزل بعد السكينة نصره، فما زال العسكر البغدادي تظهر عليه أمارات القوة، وتظهر على التتار أمارات الضعف والخذلان، إلى أن حجز الليل بين الفريقين، ولم يصطدم الفيلقان، وإنما