ماء جيحون عن خوارزم، فدخل الماء البلد، فغرق كله، وانهدمت الأبنية، فبقي بحرا، ولم يسلم من أهل خوارزم أحد البتة، فإن غيره من البلاد كان يسلم نفر يسير من أهلها وأما خوارزم فمن وقف للسيف قتل، ومن استخفى غرقة الماء أو أهلكه الهدم، فأصبحت خوارزم يبابا.
* * * فلما فرغ التتر من هذه البلاد، سيروا جيشا إلى غزنة، وبها حينئذ جلال الدين منكبري بن محمد خوارزم شاه مالكها، وقد اجتمع إليه من سلم من عسكر أبيه وغيرهم، فكانوا نحو ستين ألفا، وكان الجيش الذي سار إليهم التتار اثنى عشر ألفا، فالتقوا في حدود غزنة، واقتتلوا قتالا شديدا ثلاثة أيام، ثم أنزل الله النصر على المسلمين، فانهزم التتر، وقتلهم المسلمون كيف شاءوا، وتحيز الناجون منهم إلى الطالقان، وبها جنكزخان، وأرسل جلال الدين إليه رسولا يطلب منه أن يعين موضعا للحرب، فاتفقوا على أن يكون الحرب بكابل، فأرسل جنكزخان إليها جيشا، وسار جلال الدين إليها بنفسه، وتصافوا هناك، فكان الظفر للمسلمين، وهرب التتار فالتجأوا إلى الطالقان، وجنكزخان مقيم بها أيضا، وغنم المسلمون منهم غنائم عظيمة، فجرت بينهم فتنة عظيمة في الغنائم، وذلك لان أميرا من أمرائهم اسمه بغراق، كان قد أبلى في حرب التتر هذه جرت بينه وبين أمير يعرف بملك خان، نسيب خوارزم شاه، مقاولة أفضت إلى أن قتل أخ لبغراق، فغضب وفارق جلال الدين في ثلاثين ألفا، فتبعه جلال الدين واسترضاه واستعطفه، فلم يرجع، فضعف جانب جلال الدين بذلك، فبينا هو كذلك وصله الخبر أن جنكزخان قد سار إليه من الطالقان بنفسه وجيوشه، فعجز عن مقاومته، وعلم أنه لا طاقة له به، فسار نحو بلاد الهند وعبر نهر السند، وترك غزنة شاغرة كالفريسة للأسد، فوصل إليها