ثم سير جنكزخان جيشا عظيما مع أحد أولاده إلى مدينة مرو، وبها مائتا الف من المسلمين، فكانت بين التتار وبينهم حروب عظيمة شديدة، صبر فيها المسلمون ثم انهزموا، ودخلوا البلد، وأغلقوا أبوابه فحاصره التتار حصارا طويلا، ثم أمنوا متقدم البلد فلما خرج إليهم في الأمان، خلع عليه ابن جنكزخان وأكرمه، وعاهده ألا يتعرض لأحد من أهل مرو، ففتح الناس الأبواب، فلما تمكنوا منهم استعرضوهم بالسيف عن آخرهم فلم يبقوا منهم باقية، بعد أن استصفوا أرباب الأموال عقيب عذاب شديد عذبوهم به.
ثم ساروا إلى نيسابور، ففعلوا به ما فعلوا بمرو من القتل والاستئصال، ثم عمدوا إلى طوس، فنهبوها وقتلوا أهلها، وأخرجوا المشهد الذي به علي بن موسى الرضا عليه السلام والرشيد هارون بن المهدى، وساروا إلى هراة فحصروها، ثم أمنوا أهلها، فلما فتحوها قتلوا بعضهم وجعلوا على الباقين شحنة فلما بعدوا وثب أهل هراة على الشحنة فقتلوه فعاد عليهم عسكر من التتار، فاستعرضوهم بالسيف، فقتلوهم عن آخرهم.
ثم عادوا إلى طالقان، وبها ملكهم الأكبر جنكزخان، فسير طائفة منهم إلى خوارزم، وجعل فيها مقدم أصحابه وكبراءهم، لان خوارزم حينئذ كانت مدينة الملك، وبها عسكر كثير من الخوارزمية، وعوام البلد معروفون بالبأس والشجاعة، فساروا ووصلوا إليها، فالتقى الفئتان، واقتتلوا أشد قتال سمع به، ودخل المسلمون البلد، وحصرتهم التتار خمسة أشهر، وأرسل التتار إلى جنكزخان يطلبون المدد، فأمدهم بجيش من جيوشه، فلما وصل قويت منتهم به، وزحفوا إلى البلد زحفا متتابعا، فملكوا طرفا منه، وولجوا المدينة، فقاتلهم المسلمون داخل البلد، فلم يكن لهم به طاقة فملكوه وقتلوا كل من فيه، فلما فرغوا منه وقضوا وطرهم من القتل والنهب فتحوا السكر (1) الذي يمنع