كانت مناوشات وحملات خفيفة لا تقتضي الاتصال والممازجة ورشق بالنشاب شديد.
فلما أظلم الليل، أوقد التتار نيرانا عظيمة، وأوهموا أنهم مقيمون عندها، وارتحلوا في الليل راجعين إلى جهة بلادهم، فأصبح العسكر البغدادي، فلم ير منهم عينا ولا أثرا، وما زالوا يطوون المنازل، ويقطعون القرى عائدين حتى دخلوا الدربند، ولحقوا ببلادهم.
* * * وكان ما جرى من دلائل النبوة لان الرسول صلى الله عليه وآله وعد هذه الملة بالظهور والبقاء إلى يوم القيامة، ولو حدث على بغداد منهم حادثة، كما جرى على غيرها من البلاد، لانقرضت ملة الاسلام، ولم يبق لها باقية.
وإلى أن بلغنا من هذا الشرح إلى هذا الموضع، لم يذعر العراق منهم ذاعر بعد تلك النوبة التي قدمنا ذكرها.
* * * قلت: وقد لاح لي من فحوى كلام أمير المؤمنين عليه السلام أنه لا بأس على بغداد والعراق منهم، وأن الله تعالى يكفي هذه المملكة شرهم، ويرد عنها كيدهم، وذلك من قوله عليه السلام ويكون هناك استحرار قتل " فأتى بالكاف، وهي إذا وقعت عقيب الإشارة أفادت البعد، تقول للقريب: هنا، وللبعيد هناك، وهذا منصوص عليه في العربية، ولو كان لهم استحرار قتل في العراق لما قال: " هناك "، بل كان يقول: " هنا ". لأنه عليه السلام خطب بهذه الخطبة في البصرة، ومعلوم أن البصرة وبغداد شئ واحد وبلد واحد، لأنهما جميعا من إقليم العراق، وملكهما ملك واحد، فيلمح هذا الموضع، فإنه لطيف.
* * *