جنكزخان فملكها، وقتل أهلها وسبى نساءها، وأخرب القصور، وتركها كأمس الغابر.
ثم كانت لهم بعد ملك غزنة واستباحتها وقائع كثيرة مع ملوك الروم بنى قلج أرسلان، لم يوغلوا فيها في البلاد، وإنما كانوا يتطرقونها وينهبون ما تاخمهم منها، وأذعن لهم ملوك فارس، وكرمان، والتيز، ومكران بالطاعة وحملوا إليهم الإتاوة، ولم يبق في البلاد الناطقة باللسان الأعجمي بلد إلا حكم فيه سيفهم أو كتابهم، فأكثر البلاد قتلوا أهلها، وسبق السيف فيهم العذل والباقي أدى الإتاوة إليهم رغما، وأعطى الطاعة صاغرا، ورجع جنكزخان إلى ما وراء النهر وتوفى هناك.
وقام بعده ابنه قاآن مقامه، وثبت جرماغون في مكانه بآذربيجان ولم يبق لهم إلا أصبهان فإنهم نزلوا عليها مرارا في سنة سبع وعشرين وستمائة، وحاربهم أهلها، وقتل من الفريقين مقتلة عظيمة، ولم يبلغوا منها غرضا، حتى اختلف أهل أصبهان في سنه ثلاث وثلاثين وستمائة وهم طائفتان: حنفية وشافعية، وبينهم حروب متصلة وعصبية ظاهرة فخرج قوم من أصحاب الشافعي إلى من يجاورهم ويتاخمهم من ممالك التتار، فقالوا لهم: اقصدوا البلد حتى نسلمه إليكم، فنقل ذلك إلى قاآن بن جنكزخان بعد وفاة أبيه، والملك يومئذ منوط بتدبيره، فأرسل جيوشا من المدينة المستجدة التي بنوها، وسموها قرا حرم فعبرت جيحون مغربة، وانضم إليها قوم ممن أرسله جرماغون على هيئة المدد لهم فنزلوا على أصفهان في سنة ثلاث وثلاثين المذكورة، وحصروها فاختلف سيفا الشافعية والحنفية في المدينة، حتى قتل كثير منهم، وفتحت أبواب المدينة، فتحها الشافعية على عهد بينهم وبين التتار أن يقتلوا الحنفية ويعفوا عن الشافعية، فلما دخلوا البلد بدءوا بالشافعية، فقتلوهم قتلا ذريعا، ولم يقفوا مع العهد الذي عهدوه لهم، ثم قتلوا الحنفية، ثم قتلوا سائر الناس.