شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ٢٣٨
وسبوا النساء، وشقوا بطون الحبالى، ونهبوا الأموال، وصادروا الأغنياء، ثم أضرموا النار، فأحرقوا أصبهان، حتى صارت تلولا من الرماد.
فلما لم يبق لهم بلد من بلاد العجم إلا وقد دوخوه، صمدوا نحو إربل في سنة أربع وثلاثين وستمائة، وقد كانوا طرقوها مرارا وتحيفوا بعض نواحيها فلم يوغلوا فيها، والأمير المرتب بها يومئذ باتكين الرومي، فنزل عليها في ذي القعدة من هذه السنة منهم نحو ثلاثين ألف فارس، أرسلهم جرماغون، وعليهم مقدم كبير من رؤسائهم يعرف بجكتاي، فغاداها القتال ورواحها، وبها عسكر جم من عساكر الاسلام، فقتل من الفريقين خلق كثير، واستظهر التتار، ودخلوا المدينة وهرب الناس إلى القلعة، فاعتصموا بها، وحصرهم التتار، وطال الحصار حتى هلك الناس في القلعة عطشا، وطلب باتكين منهم أن يصالحوه عن المسلمين بمال يؤديه إليهم، فأظهروا الإجابة، فلما أرسل إليهم ما تقرر بينهم وبينه، أخذوا المال وغدروا به، وحملوا على القلعة بعد ذلك حملات عظيمة، وزحفوا إليها زحفا متتابعا، وعلقوا عليها المنجنيقات الكثيرة، وسير المستنصر بالله الخليفة جيوشه مع مملوكه وخادم حضرته، وأخص مماليكه به شرف الدين إقبال الشرامي، فساروا إلى تكريت، فلما عرف التتر شخوصهم رحلوا عن إربل، بعد أن قتلوا منها مالا يحصى، وأخربوها وتركوها كجوف حمار، وعادوا إلى تبريز، وبها مقام جرماغون، وقد جعلها دار ملكه.
فلما رحلوا عن إربل، عاد العسكر البغدادي إلى بغداد، وكانت للتتار بعد ذلك نهضات وسرايا كثيرة إلى بلاد الشام، قتلوا ونهبوا وسبوا فيها حتى انتهت خيولهم إلى حلب، فأوقعوا بها، وصانعهم عنها أهلها وسلطانها، ثم عمدوا إلى بلاد كي خسرو صاحب الروم، وذلك بعد أن هلك جرماغون وقام عوضه المعروف ببابا يسيجو، وكان
(٢٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303