وسبوا النساء، وشقوا بطون الحبالى، ونهبوا الأموال، وصادروا الأغنياء، ثم أضرموا النار، فأحرقوا أصبهان، حتى صارت تلولا من الرماد.
فلما لم يبق لهم بلد من بلاد العجم إلا وقد دوخوه، صمدوا نحو إربل في سنة أربع وثلاثين وستمائة، وقد كانوا طرقوها مرارا وتحيفوا بعض نواحيها فلم يوغلوا فيها، والأمير المرتب بها يومئذ باتكين الرومي، فنزل عليها في ذي القعدة من هذه السنة منهم نحو ثلاثين ألف فارس، أرسلهم جرماغون، وعليهم مقدم كبير من رؤسائهم يعرف بجكتاي، فغاداها القتال ورواحها، وبها عسكر جم من عساكر الاسلام، فقتل من الفريقين خلق كثير، واستظهر التتار، ودخلوا المدينة وهرب الناس إلى القلعة، فاعتصموا بها، وحصرهم التتار، وطال الحصار حتى هلك الناس في القلعة عطشا، وطلب باتكين منهم أن يصالحوه عن المسلمين بمال يؤديه إليهم، فأظهروا الإجابة، فلما أرسل إليهم ما تقرر بينهم وبينه، أخذوا المال وغدروا به، وحملوا على القلعة بعد ذلك حملات عظيمة، وزحفوا إليها زحفا متتابعا، وعلقوا عليها المنجنيقات الكثيرة، وسير المستنصر بالله الخليفة جيوشه مع مملوكه وخادم حضرته، وأخص مماليكه به شرف الدين إقبال الشرامي، فساروا إلى تكريت، فلما عرف التتر شخوصهم رحلوا عن إربل، بعد أن قتلوا منها مالا يحصى، وأخربوها وتركوها كجوف حمار، وعادوا إلى تبريز، وبها مقام جرماغون، وقد جعلها دار ملكه.
فلما رحلوا عن إربل، عاد العسكر البغدادي إلى بغداد، وكانت للتتار بعد ذلك نهضات وسرايا كثيرة إلى بلاد الشام، قتلوا ونهبوا وسبوا فيها حتى انتهت خيولهم إلى حلب، فأوقعوا بها، وصانعهم عنها أهلها وسلطانها، ثم عمدوا إلى بلاد كي خسرو صاحب الروم، وذلك بعد أن هلك جرماغون وقام عوضه المعروف ببابا يسيجو، وكان