مكدود وعاشقها مجهود، وتاركها محمود. العاقل من قلاها وسلا عنها. والظريف من عافها وأنف منها، والسعيد من غمض بصره عن زهرتها، وصرفه عن نضرتها، وليس لها فضيلة إلا دلالتها على نفسها، وإشارتها إلى نقصها، ولعمري إنها لفضيلة لو صادفت قلبا عقولا لا لسانا قؤولا، وعملا مقبولا لا لفظا منقولا. فإلى الله الشكوى من هوى مطاع، وعمر مضاع، فبيده الداء والدواء، والمرض والشفاء.
قال أبو حرة: أتينا بكر بن عبد الله المري نعوده فدخلنا عليه وقد قام لحاجته فجلسنا، ننتظره، فأقبل إلينا يتهادى بين رجلين، فلما نظر إلينا سلم علينا، ثم قال: رحم الله عبدا أعطى قوة فعمل بها في طاعة الله، أو قصر به ضعف فكف عن محارم الله.
وقال بكر بن عبد الله مثل الرجل في الدنيا مثل رجل له ثلاثة خلان، قال له أحدهم: أنا خازنك خذ منى ما شئت، فاعمل به ما شئت، وقال الآخر: أنا معك أحملك وأضعك، فإذا مت تركتك، وقال الآخر: أنا أصحبك أبدا، حياتك وموتك، فأما الأول فماله، وأما الثاني فعشيرته، وأما الثالث فعمله.
قيل للزهري: من الزاهد في الدنيا؟ قال من لم يمنع الحلال شكره، ومن لم يمنع الحرام صبره.
وقال سفيان الثوري: ما عبد الله بمثل العقل، ولا يكون الرجل عاقلا حتى تكون فيه عشر خصال: يكون الكبر منه مأمونا، والخير منه مأمولا، يقتدى بمن قبله، ويكون إماما لمن بعده، وحتى يكون الذل في طاعة الله أحب إليه من العز في معصية الله، وحتى يكون الفقر في الحلال، أحب إليه من الغنى في، الحرام، وحتى يكون عيشه القوت، وحتى يستقل الكثير من عمله، ويستكثر القليل من عمل غيره، وحتى لا يتبرم بطلب الحوائج