ثم إن المعروف بجنكزخان - والناس يلفظونه بالراء وذكر لي جماعة من أهل المعرفة بأحوال التتر أنه " جنكز " بالزاي المعجمة - عن له رأى في النهوض إلى بلاد تركستان، وذلك أن جنكزخان هذا هو رئيس التتار الأقصين في المشرق، وابن رئيسهم، وما زال سلفه رؤساء تلك الجهة، وكان شجاعا عاقلا موفقا منصورا في الحرب، وإنما عن له هذا الرأي، لأنه رأى أن طائفة من التتار - لا ملك لهم - وإنما يقوم بكل فرقة منهم مدبر لها من أنفسها - قد نهضت فملكت بلاد تركستان على جلالتها غار من ذلك، وأراد الرياسة العامة لنفسه، وأحب الملك، وطمع في البلاد، فنهض بمن معه من أقاصي الصين، حتى صار إلى حدود أعمال تركستان، فحاربه التتار الذين هناك، ومنعوه عن تطرق البلاد، فلم يكن لهم به طاقة، وهزمهم وقتل كثيرا منهم، وملك بلاد تركستان بأجمعها، وصار كالمجاور لبلاد خوارزم شاه، وإن كان بينهما مسافة بعيدة، وصار بينه وبين خوارزم شاه سلم ومهادنة، إلا أنها هدنة على دخن.
فمكثت الحال على ذلك يسيرا، ثم فسدت بما كان يصل إلى خوارزم شاه على ألسنة التجار من الاخبار، وأن جنكزخان على عزم النهوض إلى سمرقند وما يليها، وأنه في التأهب والاستعداد، فلو داراه لكان أولى له، لكنه شرع فسد طرق التجار القاصدين إليهم، فتعذرت عليهم الكسوات، ومنع عنهم الميرة والأقوات التي تجلب وتحمل من أعمال ما وراء النهر إلى تركستان، فلو اقتنع بذلك لكان قريبا، لكنه أنهى إليه نائبه بالمدينة المعروفة بأوتران، وهي آخر ولايته بما وراء النهر، أن جنكزخان قد سير جماعة من تجار التتار، ومعهم شئ عظيم من الفضة إلى سمرقند، ليشتروا له ولأهله وبنى عمه كسوة وثيابا وغير ذلك.