فبعث إليه خوارزم شاه يأمره بقتل أولئك التجار، وأخذ ما معهم من الفضة وإنفاذها إليه، فقتلهم وسير إليه الفضة. وكان ذلك شيئا كثيرا جدا، ففرقه خوارزم شاه على تجار سمرقند وبخارى، وأخذ ثمنه منهم لنفسه. ثم علم أنه قد أخطأ، فأرسل إلى نائبه بأوتران، يأمره أن ينفذ جواسيس من عنده إليهم، ليخبروه بعدتهم، فمضت الجواسيس، وسلكت مفاوز وجبالا كثيرة، وعادوا إليه بعد مدة، فأخبروه بكثرة عددهم، وأنهم لا يبلغهم الإحصاء ولا يدركهم، وأنهم من أصبر الناس على القتال: لا يعرفون الفرار، ويعملون ما يحتاجون إليه من السلاح بأيديهم، وأن خيلهم لا تحتاج إلى الشعير، بل تأكل نبات الأرض وعروق المراعى، وأن عندهم من الخيل والبقر مالا يحصى، وأنهم يأكلون الميتة والكلاب والخنازير وهم أصبر خلق الله على الجوع والعطش والشقاء، وثيابهم من أخشن الثياب مسا، ومنهم من يلبس جلود الكلاب والدواب الميتة، وأنهم أشبه شئ بالوحش والسباع.
فأنهى ذلك كله إلى خوارزم شاه، فندم على قتل أصحابهم، وعلى خرق الحجاب بينه وبينهم، وأخذ أموالهم، وغلب عليه الفكر والوجل، فأحضر الشهاب الخيوفي، وهو فقيه فاضل كبير المحل عنده، لا يخالف ما يشير به، فقال له: قد حدث أمر عظيم لابد من الفكر فيه، وإجالة الرأي فيما نفعل وذلك أنه قد تحرك إلينا خصم من الترك في عدد لا يحصى، فقال له: عساكرك كثيرة، وتكاتب الأطراف، وتجمع الجنود، ويكون من ذلك نفير عام، فإنه يجب على المسلمين كافة مساعدتك بالأموال والرجال، ثم تذهب بجميع العساكر إلى جانب سيحون، وهو نهر كبير يفصل بين بلاد الترك وبين بلاد خوارزم شاه، فتكون هناك، فإذا جاء العدو وقد سار مسافة بعيدة، لقيناه ونحن جامون مستريحون، وقد مسه وعساكره النصب واللغوب.