لم ير مثله، واشتق أسواق بغداد والرأس بين يديه، فلما صرنا بباب الطاق، صاح قوم من درب من تلك الدروب: رحم الله معاوية وزاد! حتى علت أصوات العامة بذلك فتغير وجه المعتضد، وقال: ألا تسمع يا أبا عيسى! ما أعجب هذا! وما الذي اقتضى ذكر معاوية في هذا الوقت! والله لقد بلغ أبى إلى الموت وما أفلت أنا إلا بعد مشارفته، ولقينا كل جهد وبلاء، حتى أنجينا هؤلاء الكلاب من عدوهم، وحصنا حرمهم وأولادهم فتركوا أن يترحموا على العباس وعبد الله ابنه ومن ولد من الخلفاء، وتركوا الترحم على علي بن أبي طالب، وحمزة، وجعفر، والحسن والحسين، والله لا برحت أو أؤثر في تأديب هؤلاء أثرا لا يعاودون بعد هذا الفعل مثله! ثم أمر بجمع النفاطين ليحرق الناحية فقلت له: أيها الأمير، أطال الله بقاءك! إن هذا اليوم من أشرف أيام الاسلام، فلا تفسده بجهل عامة لا خلاق لهم. ولم أزل أداريه وأرفق به حتى سار.
فأما الذي يرويه الناس من أن صاحب الزنج ملك سواد بغداد، ونزل بالمدائن، وأن الموفق أرسل إليه من بغداد عسكرا، وأصحبهم دنان النبيذ، وأمرهم أن ينهزموا من بين يدي الزنج عند اللقاء، ويتركوا خيامهم وأثقالهم لينتهبها الزنج، وأنهم فعلوا ذلك، فظفر الزنج فيما ظفروا به من أمتعتهم بتلك الدنان، وكانت كثيرة جدا، فشربوا تلك الليلة وسكروا، وباتوا على غرة، فكبسهم الموفق وبيتهم ليلا وهم سكارى، فأصاب منهم ما أراد، فباطل موضوع لا أصل له، والذي بيتهم وهم سكارى فنال منهم نيلا تكين البخاري، وكان على الأهواز بيت أصحاب علي بن أبان في سنة خمس وستين ومائتين، وقد أتاه الخبر بأنهم تلك الليلة قد عمل النبيذ فيهم، والصحيح أنه لم يتجاوز نهبهم ودخولهم البلاد النعمانية. هكذا رواه الناس كلهم.
* * * قال أبو جعفر: فأما علي بن أبان وأنكلاني بن الناجم ومن أسر معهما، فإنهم