ونحن نذكر طرفا من أخبارهم وابتداء ظهورهم على سبيل الاختصار، فنقول:
إنا على كثرة اشتغالنا بالتواريخ وبالكتب المتضمنة أصناف الأمم، لم نجد ذكر هذه الأمة أصلا، ولكنا وجدنا ذكر أصناف الترك من، القفجاق، واليمك، والبرلو، والتفريه، واليتبه، والروس، والخطا، والقرغز، والتركمان، ولم يمر بنا في كتاب ذكر هذه الأمة سوى كتاب واحد، وهو كتاب " مروج الذهب " للمسعودي فإنه ذكرهم هكذا بهذا اللفظ " التتر "، والناس اليوم يقولون: " التتار " بألف، وهذه الأمة كانت في أقاصي بلاد المشرق في جبال " طمغاج " من حدود الصين، وبينهم وبين بلاد الاسلام التي ما وراء النهر ما يزيد على مسير ستة أشهر، وقد كان خوارزم شاه، وهو محمد بن تكش استولى على بلاد ما وراء النهر، وقتل ملوكها من الخطا الذين كانوا ببخارى وسمرقند وبلاد تركستان، نحو كاشغر، وبلاساغون وأفناهم، وكانوا حجابا بينه وبين هذه الأمة، وشحن هذه البلاد بقواده وجنوده، وكان في ذلك غالطا، لان ملوك الخطا كانوا وقاية له ومجنا من هؤلاء، فلما أفناهم، صار هو المتولي لحرب هؤلاء أو سلمهم، فأساء قواده وأمراؤه الذين بتركستان السيرة معهم، وسدوا طرق التجارة عنهم، فانتدبت منهم طائفة نحو عشرين ألفا مجتمعة، كل بيت منها له رئيس مفرد، فهم متساندون، وخرجوا إلى بلاد تركستان، فأوقعوا بقواد خوارزم شاه وعماله هناك، وملكوا البلاد، وتراجع من بقي من عسكر خوارزم شاه، وسلم من سيف التتار إلى خوارزم شاه، فأغضي على ذلك، ورأي أن سعة ملكه تمنعه عن مباشرة حربهم بنفسه وأن غيره من قواده لا يقوم مقامه في ذلك وترك بلاد تركستان لهم، واستقر الامر على أن تركستان لهم، وما عداها من بلاد ما وراء النهر كسمرقند وبخارى وغيرهما لخوارزم شاه، فمكثوا كذلك نحو أربع سنين.