كثيف، فجاء حتى نزل الأبلة، وكتب صاحب الزنج إلى يحيى بن محمد البحراني يأمره بالمصير إليه، فصار إليه بزنوجه، وأقام على محاربته عشرة أيام، ثم فتر المولد عن الحرب، وكتب على ابن محمد إلى يحيى، يأمره، أن يبيته، فبيته فهزمه، ودخل الزنج عسكره فغنموا ما فيه، وكتب يحيى إلى صاحب الزنج يخبره، فأمره باتباعه، فاتبعه إلى الحوانيت، ثم انصرف عنه فمر بالجامدة، وأوقع بأهلها وانتهب كل ما كان في تلك القرى، وسفك ما قدر على سفكه من الدماء، ثم عاد إلى نهر معقل.
قال أبو جعفر: واتصلت الاخبار بسامراء وبغداد وبالقواد والموالي وأهل الحضرة بما جرى على أهل البصرة فقامت عليهم القيامة، وعلم المعتمد أنه لا يرتق هذا الفتق إلا بأخيه أبى أحمد طلحة بن المتوكل - وكان منصورا مؤيدا عارفا بالحرب وقيادة الجيوش، وهو الذي أخذ بغداد للمعتز، وكسر جيوش المستعين، وخلعه من الخلافة، ولم يكن لبني العباس في هذا الباب مثله ومثل ابنه أبى العباس - فعقد له المعتمد على ديار مضر وقنسرين والعواصم، وجلس له مستهل شهر ربيع الاخر من سنة سبع وخمسين، فخلع عليه وعلى مفلح، وشخصا نحو البصرة لحرب علي بن محمد وإصلاح ما أفسده من الأعمال، وركب المعتمد ركوبا ظاهرا يشيع أخاه أبا أحمد إلى القرية المعروفة ببركوارا، وعاد.
* * * قال أبو جعفر: وأما صاحب الزنج فإنه بعد هزيمة محمد المولد أنفذ علي بن أبان المهلبي إلى حرب منصور بن جعفر وإلى الأهواز، فكانت بينهما حروب كثيرة في أيام متفرقة حتى كان آخرها اليوم الذي انهزم فيه أصحاب منصور، وتفرقوا عنه، وأدركت منصورا طائفة من الزنج، فلم يزل يكر عليهم حتى انقصف رمحه، ونفدت سهامه، ولم يبق معه سلاح،