ثم قال: " فأسمع داعيها " أي لم يبق أحدا من المكلفين إلا وقد أسمعه تلك الدعوة وفاز واعيها، أفلح من فهمها وأجاب إليها، لا بد من تقدير هذا، وإلا فأي فوز يحصل لمن فهم ولم يجب! والتقوى: خشية الله سبحانه ومراقبته في السر والعلن، والخشية أصل الطاعات، وإليها وقعت الإشارة بقوله تعالى: ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ (1) وقوله سبحانه: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) (2).
وقوله: " حتى أسهرت لياليهم، وأظمأت هواجرهم " من قول العرب " نهاره صائم، وليله قائم "، نقلوا الفعل إلى الظرف، وهو من باب الاتساع الذي يجرون فيه الظروف مجرى المفعول به، فيقولون: الذي سرته يوم الجمعة، أي سرت فيه، وقال:
* ويوم شهدناه سليما وعامرا (3) * أي شهدنا فيه سليما، وقد اتسعوا فأضافوا إلى الظروف فقالوا:
يا سارق الليلة أهل الدار (4) * وقال تعالى: (بل مكر الليل والنهار) (5) فأخرجوا بالإضافة عن الظرفية.
قوله عليه السلام: " فأخذوا الراحة النصب " يروى: " فاستبدلوا الراحة " والنصب:
التعب.
واستقربوا الاجل: رأوه قريبا.
فإن قلت: لماذا كرر لفظة " الاجل " وفي تكرارها مخالفة لفن البيان؟
قلت: إنه استعملها في الموضعين بمعنيين مختلفين، فقوله: " استقربوا الاجل " يعنى المدة. وقوله: " فلاحظوا الاجل " يعنى الموت نفسه.