ما لا يأكل، ويبنى ما لا يسكن، ثم يخرج إلى الله تعالى، لا مالا حمل، ولا بناء نقل.
ومن غيرها أنك ترى المرحوم مغبوطا، والمغبوط مرحوما، ليس ذلك إلا نعيما زل، وبؤسا نزل.
ومن عبرها أن المرء يشرف على أمله، فيقتطعه حضور أجله، فلا أمل يدرك، ولا مؤمل يترك. فسبحان الله ما أعز سرورها! وأظمأ ريها! وأضحى فيئها!
لا جاء يرد، ولا ماض يرتد، فسبحان الله، ما أقرب الحي من الميت للحاقه به!
وأبعد الميت من الحي لانقطاعه عنه!
إنه ليس شئ بشر من الشر إلا عقابه، وليس شئ بخير من الخير إلا ثوابه، وكل شئ من الدنيا سماعه أعظم من عيانه، وكل شئ من الآخرة عيانه أعظم من سماعه، فليكفكم من العيان السماع، ومن الغيب الخبر.
واعلموا أن ما نقص من الدنيا وزاد في الآخرة، خير مما نقص من الآخرة وزاد في الدنيا، فكم من منقوص رابح، ومزيد خاسر!
إن الذي أمرتم به أوسع من الذي نهيتم عنه، وما أحل لكم أكثر مما حرم عليكم، فذروا ما قل لما كثر، وما ضاق لما اتسع، قد تكفلكم بالرزق، وأمرتم بالعمل، فلا يكونن المضمون لكم طلبه أولى بكم من المفروض عليكم.
عمله، مع أنه والله لقد اعترض الشك، ودخل اليقين، حتى كأن الذي ضمن لكم قد فرض عليكم، وكأن الذي فرض عليكم قد وضع عنكم. فبادروا العمل، وخافوا بغتة الاجل، فإنه لا يرجى من رجعة العمر، ما يرجى من رجعة الرزق.
ما فات اليوم من الرزق رجى غدا زيادته، وما فات أمس من العمر لم يرج اليوم