الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) (1) قالوا: أراد مجاهدة النفوس.
ومن كلام رسول الله صلى الله عليه وآله: " أبت الأنفس إلا حب المال والشرف، وإن حبهما لأذهب بدين أحدكم من ذئبين ضاريين باتا في زريبة غنم إلى الصباح، فماذا يبقيان منها "!
ثم شرع في استغفار الله سبحانه من كل ذنب، وعبر عن ذلك بقوله: " مما أحاط به علمه، وأحصاه كتابه "، لأنه تعالى عالم بكل شئ، ومحيط بكل شئ، وقد أوضح ذلك بقوله: " علم غير قاصر، وكتاب غير مغادر "، أي غير مبق شيئا لا يحصيه، قال تعالى:
(ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) (2).
ثم قال: " ونؤمن به إيمان من عاين وشاهد "، لان إيمان العيان أخلص وأوثق من إيمان الخبر، فإنه ليس الخبر كالعيان، وهذا إشارة إلى إيمان العارفين الذين هو عليه السلام سيدهم ورئيسهم، ولذلك قال " لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ".
وقوله: " تصعدان القول " إشارة إلى قوله تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) (3) وروى: " تسعدان القول " بالسين، أي هما شهادتان بالقلب يعاضدان الشهادة باللسان، ويسعدانها.
ثم ذكر أنهما شهادتان لا يخف ميزان هما فيه، ولا يثقل ميزان رفعا عنه.
أما إنه لا يثقل ميزان رفعا عنه، فهذا لا كلام فيه، وإنما الشأن في القضية الأولى، لان ظاهر هذا القول يشعر بمذهب المرجئة الخلص، وهم أصحاب مقاتل بن سليمان، القائلون إنه لا يضر مع الشهادتين معصية أصلا، وإنه لا يدخل النار من في قلبه ذرة من الايمان،