ولهم على ذلك احتجاج قد ذكرناه في كتبنا الكلامية، فنقول في تأويل ذلك إنه لم يحكم بهذا على مجرد الشهادتين، وإنما حكم بهذا على شهادتين مقيدتين، قد وصفهما بأنهما يصعدان القول، ويرفعان العمل، وتانك الشهادتان المقيدتان بذلك القيد، إنما هو الشهادتان اللتان يقارنهما فعل الواجب وتجنب القبيح، لأنه إن لم يقارنهما ذلك لم يرفعا العمل، وإذا كان حكمه عليه السلام بعد خفة ميزان هما فيه، إنما هو على شهادتين مقيدتين لا مطلقتين، فقد بطل قول من يجعل هذا الكلام حجة للمرجئة.
ثم أخذ في الوصاة بالتقوى، وقال: " إنها الزاد في الدنيا الذي يزود منه لسفر الآخرة وبها المعاذ، مصدر من عذت بكذا، أي لجأت إليه واعتصمت به.
ثم وصفهما - أعني الزاد والمعاذ - فقال: " زاد مبلغ "، أي يبلغك المقصد والغاية التي تسافر إليها، ومعاذ منجح، أي يصادف عنده النجاح.
دعا إليها: أسمع داع، يعنى البارئ سبحانه، لأنه أشد الاحياء إسماعا لما يدعوهم إليه وبناء " أفعل " هاهنا من الرباعي، كما جاء ما أعطاه للمال، وما أولاه للمعروف! وأنت أكرم لي من زيد، أي أشد إكراما، وهذا المكان أقفر من غيره، أي أشد إقفارا، وفي المثل " أفلس من ابن المذلق " (١)، وروى: " دعا إليها أحسن داع " أي أحسن داع دعا، ولا بد من تقرير هذا المميز لأنه تعالى لا توصف ذاته بالحسن، وإنما يوصف بالحسن أفعاله.
ووعاها خير واع، أي من وعاها عنه تعالى وعقلها وأجاب تلك الدعوة، فهو خير واع.
وقيل: عنى بقوله: " أسمع داع " رسول الله صلى الله عليه وآله، وعنى بقوله: " خير واع " نفسه، لأنه أنزل فيه: ﴿وتعيها أذن واعية﴾ (2) والأول أظهر.