فهلا كان نقص الأهل فيها * وكان لأهلها منها التمام ثم قال: " فكم من منقوص في دنياه وهو رابح في آخرته، وكم من مزيد في دنياه وهو خاسر في آخرته ". ثم قال: إن الذي أمرتم به أوسع من الذي نهيتم عنه، وما أحل لكم أكثر مما حرم عليكم "، الجملة الأولى هي الجملة الثانية بعينها، وإنما أتى بالثانية تأكيدا للأولى وإيضاحا لها، ولان فن الخطابة والكتابة هكذا هو، وينتظم كلتا الجملتين معنى واحد، وهو أن فيما أحل الله غنى عما حرم، بل الحلال أوسع، ألا ترى أن المباح من المآكل والمشارب أكثر عددا وأجناسا من المحرمات! فإن المحرم ليس إلا الكلب والخنزير وأشياء قليلة غيرهما، والمحرم من المشروب الخمر ونحوها من المسكر، وما عدا ذلك حلال أكله وشربه، وكذلك القول في النكاح والتسري فإنهما طريقان مهيعان إلى قضاء الوطر، والسفاح طريق واحد، والطريقان أكثر من الطريق الواحد.
فإن قلت: فكيف قال: " إن الذي أمرتم به " فسمى المباح مأمورا به؟
قلت: سمى كثير من الأصوليين المباح مأمورا به، وذلك لاشتراكه مع المأمور به في إنه لا حرج في فعله، فأطلق عليه اسمه. وأيضا فإنه لما كان كثير من الأمور التي عددناها مندوبا أطلق عليه لفظ الامر، لان المندوب مأمور به، وذلك كالنكاح والتسري وأكل اللحوم، التي هي سبب قوة البدن، وشرب ما يصلح المزاج من الأشربة التي لا حرج في استعمالها. وقال بعض العقلاء لبنيه: يا بنى، إنه ليس شئ من اللذة ناله أهل الخسارة بخسارتهم إلا ناله أهل المروءة والصيانة بمروءتهم وصيانتهم، فاستتروا بستر الله. ودخل إنسان على علي بن موسى الرضا عليه السلام، وعليه ثياب مرتفعة القيمة، فقال: يا بن رسول الله، أتلبس مثل هذا؟ فقال له: من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق!