القرآن العزيز، ولا يقاربها، فليس بمستنكر منا أن نذكر كلام ابن نباتة في معرض إيرادنا كلام أمير المؤمنين عليه السلام لتظهر فضيلة كلامه عليه السلام، بالنسبة إلى هذا الخطيب الفاضل، الذي قد اتفق الناس على أنه أوحد عصره في فنه.
واعلم أنا لا ننكر فضل ابن نباتة وحسن أكثر خطبه، ولكن قوما من أهل العصبية والعناد، يزعمون أن كلامه يساوى كلام أمير المؤمنين عليه السلام ويماثله، وقد ناظر بعضهم في ذلك، فأحببت أن أبين للناس في هذا الكتاب أنه لا نسبة لكلامه إلى كلام أمير المؤمنين عليه السلام، وأنه بمنزلة شعر الأبله وابن المعلم بالإضافة إلى زهير والنابغة.
* * * واعلم أن معرفة الفصيح والأفصح، والرشيق والأرشق، والحلو والأحلى، والعالي والأعلى من الكلام أمر لا يدرك إلا بالذوق، ولا يمكن إقامة الدلالة المنطقية عليه، وهو بمنزلة جاريتين: أحداهما بيضاء مشربة حمرة دقيقة الشفتين، نقية الثغر، كحلاء العينين، أسيلة الخد، دقيقة الانف، معتدلة القامة، والأخرى دونها في هذه الصفات والمحاسن، لكنها أحلى في العيون والقلوب منها، وأليق وأصلح، ولا يدرى لأي سبب كان ذلك، ولكنه بالذوق والمشاهدة يعرف، ولا يمكن تعليله، وهكذا الكلام، نعم يبقى الفرق بين الموضعين. إن حسن الوجوه وملاحتها وتفضيل بعضها على بعض يدركه كل من له عين صحيحة، وأما الكلام فلا يعرفه إلا أهل الذوق، وليس كل من اشتغل بالنحو واللغة أو بالفقه كان من أهل الذوق، وممن يصلح لانتقاد الكلام، وإنما أهل الذوق هم الذين اشتغلوا بعلم البيان، وراضوا أنفسهم بالرسائل والخطب والكتابة والشعر، وصارت لهم