عن الصناعة، لأنه يكون قد عطف الجمع المفرد، فيصير مثل قول القائل: " ما أخذت منه دينارا ولا دراهم "، في أنه ليس بالمستحسن في فن البيان.
ومن ذلك قوله:
" أيها الناس، حصحص الحق، فما من الحق مناص، وأشخص الخلق فما لأحد من الخلق خلاص، وأنتم على ما يباعدكم من الله حراص، ولكم على موارد الهلكة اغتصاص، وفيكم عن مقاصد البركة انتكاص، كأن ليس أمامكم جزاء ولا قصاص، ولجوارح الموت في وحش نفوسكم اقتناص، ليس بها عليها تأب ولا اعتياص ".
فليتأمل أهل المعرفة بعلم الفصاحة والبيان هذا الكلام بعين الانصاف، يعلموا أن سطرا واحدا من كلام " نهج البلاغة " يساوى ألف سطر منه، بل يزيد ويربى على ذلك، فإن هذا الكلام ملزق عليه آثار كلفة وهجنة ظاهرة، يعرفها العامي فضلا عن العالم.
ومن هذه الخطبة:
" فاهجروا رحمكم الله وثير المراقد، وادخروا طيب المكتسب، تخلصوا من انتقاد الناقد، واغتنموا فسحة المهل قبل انسداد المقاصد، واقتحموا سبل الآخرة على قلة المرافق والمساعد ".
فهل يجد متصفح الكلام لهذا الفصل عذوبة، أو معنى يمدح الكلام لأجله؟
وهل هو إلا ألفاظ مضموم بعضها إلى بعض، ليس لها حاصل، كما قيل في شعر ذي الرمة:
" بعر ظباء ونقط عروس " (1)!
ومن ذلك قوله:
" فيا له من واقع في كرب الحشارج، مصارع لسكرات الموت معالج! حتى درج على تلك المدارج، وقدم بصحيفته على ذي المعارج ".