الذي قد وقع الاجماع على خطابته وحسنها، وأن مواعظه هي الغاية التي ليس بعدها غاية.
فمن ذلك قوله:
" أيها الناس، تجهزوا فقد ضرب فيكم بوق الرحيل، وابرزوا فقد قربت لكم نوق التحويل، ودعوا التمسك بخدع الأباطيل، والركون إلى التسويف والتعليل، فقد سمعتم ما كرر الله عليكم من قصص أبناء القرى، وما وعظكم به من مصارع من سلف من الورى، مما لا يعترض لذوي البصائر فيه شك ولا مرا، وأنتم معرضون عنه إعراضكم عما يختلق ويفترى، حتى كأن ما تعلمون منه أضغاث أحلام الكرى، وأيدي المنايا قد فصمت من أعماركم أوثق العرى، وهجمت بكم على هول مطلع كريه القرى، فالقهقري رحمكم الله عن حبائل العطب القهقرى! واقطعوا مفاوز الهلكات بمواصلة السرى، وقفوا على أجداث المنزلين من شناخيب الذرا، المنجلين بوازع أم حبو كرى، المشغولين بما عليهم من الموت جرى، واكشفوا عن الوجوه المنعمة أطباق الثرى، تجدوا ما بقي منها عبرة لمن يرى. فرحم الله امرأ رحم نفسه فبكاها، وجعل منها إليها مشتكاها! قبل أن تعلق به خطاطيف المنون، وتصدق فيه أراجيف الظنون، وتشرق عليه بمائها مقل العيون، ويلحق بمن دثر من القرون، قبل أن يبدوا على المناكب محمولا، ويغدو إلى محل المصائب منقولا، ويكون عن الواجب مسؤولا، وبالقدوم على الطالب الغالب مشغولا. هناك يرفع الحجاب، ويوضع الكتاب، وتقطع الأسباب، وتذهب الأحساب، ويمنع الأعتاب، ويجمع من حق عليه العقاب، ومن وجب له الثواب، فيضرب بينهم بسور له باب، باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ".
فلينظر المنصف هذا الكلام وما عليه من أثر التوليد أولا بالنسبة إلى ذلك الكلام العربي المحض، ثم لينظر فيما عليه من الكسل والرخاوة، والفتور والبلادة، حتى كأن ذلك