وغير خاف ما في هذا الكلام من التكلف.
ومن ذلك قوله:
" فكأنكم بمنادي الرحيل قد نادى في أهل الإقامة، فاقتحموا بالصغار محجة القيامة، يتلو الأوائل منهم الأواخر، ويتبع الأكابر منهم الأصاغر، ويلتحق الغوامر من ديارهم بالغوامر، حتى تبتلع جميعهم الحفر والمقابر ".
فإن هذا الكلام ركيك جدا، لو قاله خطيب من خطباء قرى السواد لم يستحسن منه، بل ترك واسترذل.
ولعل عائبا يعيب علينا فيقول: شرعتم في المقايسة والموازنة بين كلام أمير المؤمنين عليه السلام، وبين كلام ابن نباتة، وهل هذا إلا بمنزلة قول من يقول: السيف أمضى من العصا، وفي هذه غضاضة على السيف!
فنقول: إنه قد اشتملت كتب المتكلمين على المقايسة بين كلام الله تعالى وبين كلام البشر، ليبينوا فضل القرآن وزيادة فصاحته على فصاحة كلام العرب، نحو مقايستهم بين قوله تعالى: ﴿ولكم في القصاص حياة﴾ (1) وبين قول القائل: " القتل أنفى للقتل " ونحو مقايستهم بين قوله تعالى: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) (2) وبين قول الشاعر:
فإن عرضوا بالشر فاصفح تكرما * وإن كتموا عنك الحديث فلا تسل * * * ونحو إيرادهم كلام مسيلمة، وأحمد بن سليمان المعرى، وعبد الله بن المقفع، فصلا فصلا، والموازنة والمقايسة بين ذلك وبين القرآن المجيد، وإيضاح أنه لا يبلغ ذلك إلى درجة