ونجيب هذا القائل بأن مراده عليه السلام أنه لم يكن في زمان محمد صلى الله عليه وآله وما قاربه من ادعى النبوة، فأما هود وصالح وشعيب، فكانوا في دهر قديم جدا، وأما خالد بن سنان فلم يقرأ كتابا، ولا يدعى شريعة وإنما كانت نبوة مشابهة لنبوة جماعة من أنبياء بني إسرائيل الذين لم يكن لهم كتب ولا شرائع، وإنما ينهون عن الشرك، ويأمرون (1) بالتوحيد.
ومنجاتهم: نجاتهم، نجوت من كذا نجاء، ممدود، ونجا مقصور، ومنجاة على " مفعلة "، ومنه قولهم: " الصدق منجاة ".
قوله عليه السلام: " ويبادر بهم الساعة "، كأنه كان يخاف أن تسبقه القيامة، فهو يبادرها بهدايتهم وإرشادهم قبل أن تقوم، وهم على ضلالهم.
والحسير: المعيا، حسر البعير بالفتح يحسر بالكسر حسورا، واستحسر مثله، وحسرته أنا، يتعدى ولا يتعدى، حسرا فهو حسير، ويجوز أحسرته بالهمزة، والجمع حسرى، مثل قتيل وقتلى، ومنه حسر البصر، أي كل، يحسر، قال تعالى: (ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير) (2). وهذا الكلام من باب الاستعارة والمجاز، يقول عليه السلام كان النبي صلى الله عليه وآله لحرصه على الاسلام وإشفاقه على المسلمين، ورأفته بهم، يلاحظ حال من تزلزل اعتقاده، أو عرضت له شبهة، أو حدث عنده ريب، ولا يزال يوضح له ويرشده حتى يزيل ما خامر سره من وساوس الشيطان، ويلحقه بالمخلصين من المؤمنين، ولم يكن ليقصر في مراعاة أحد من المكلفين في هذا المعنى إلا من كان يعلم أنه لا خير فيه أصلا لعناده وإصراره على الباطل، ومكابرته للحق.
ومعنى قوله: " حتى يلحقه غايته "، حتى يوصله إلى الغاية التي هي الغرض بالتكليف، يعنى اعتقاد الحق وسكون النفس إلى الاسلام، وهو أيضا معنى قوله: " وبوأهم محلتهم ".