وقوله: " قليل سلبهم " أي همهم القتل لا السلب، كما قال أبو تمام.
إن الأسود أسود الغاب همتها يوم الكريهة في المسلوب لا السلب (1) ثم ذكر عليه السلام أن هؤلاء أرباب الفتن يجاهدهم قوم أذلة، كما قال الله تعالى:
(أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) (2)، وذلك من صفات المؤمنين.
ثم قال: هم مجهولون عند أهل الأرض لخمولهم قبل هذا الجهاد، ولكنهم معروفون عند أهل السماء، وهذا إنذار بملحمة تجرى في آخر الزمان، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله بنحو ذلك، وقد فسر هذا الفصل قوم وقالوا إنه أشار به إلى الملائكة لأنهم مجهولون في الأرض، معروفون في السماء، واعتذروا عن لفظة " قوم "، فقالوا: يجوز أن يقال في الملائكة قوم كما قيل في الجن، قوم قال سبحانه: (فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين) (3)، إلا أن لفظ " أذلة عند المتكبرين " يبعد هذا التفسير.
ثم أخبر بهلاك البصرة بجيش من نقم الله لا رهج له ولا حس، الرهج: الغبار، وكنى بهذا الجيش عن جدب وطاعون يصيب أهلها حتى يبيدهم. والموت الأحمر، كناية عن الوباء والجوع.
الأغبر: كناية عن المحل، وسمى الموت الأحمر لشدته، ومنه الحديث: كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله، ووصف الجوع بأنه أغبر، لان الجائع يرى الآفاق كأن عليها غبرة وظلاما، وفسر قوم هذا الكلام بوقعة صاحب الزنج، وهو بعيد، لان جيشه كان ذا حس ورهج، ولأنه أنذر البصرة بهذا الجيش عند حدوث تلك الفتن، ألا تراه قال:
" فويل لك يا بصرة عند ذلك "، ولم يكن قبل خروج صاحب الزنج فتن شديدة على الصفات التي ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام.