ومعنى قوله: " فاستدارت رحاهم "، انتظم أمرهم، لان الرحا إنما تدور إذا تكاملت أدواتها وآلاتها كلها، وهو أيضا معنى قوله: " واستقامت قناتهم "، وكل هذا من باب الاستعارة.
ثم أقسم أنه عليه السلام كان من ساقتها، الساقة: جمع سائق، كقادة جمع قائد، وحاكة جمع حائك، وهذا الضمير المؤنث يرجع إلى غير مذكور لفظا، والمراد الجاهلية، كأنه جعلها مثل كتيبة مصادمة لكتيبة الاسلام، وجعل نفسه من الحاملين عليها بسيفه، حتى فرت وأدبرت، واتبعها يسوقها سوقا، وهي مولية بين يديه.
حتى أدبرت بحذافيرها، أي كلها عن آخرها.
ثم أتى بضمير آخر إلى غير مذكور لفظا، وهو قوله: " واستوسقت في قيادها "، يعنى الملة الاسلامية أو الدعوة، أو ما يجرى هذا المجرى. واستوسقت: اجتمعت، يقول لما ولت تلك الدعوة الجاهلية استوسقت هذه في قيادها كما تستوسق الإبل المقودة إلى أعطانها.
ويجوز أن يعود هذا الضمير الثاني إلى المذكور الأول وهو الجاهلية، أي ولت بحذافيرها واجتمعت كلها تحت ذل المقادة.
ثم أقسم أنه ما ضعف يومئذ ولا وهن ولا جبن ولا خان، وليبقرن الباطل الآن حتى يخرج الحق من خاصرته، كأنه جعل الباطل كالشئ المشتمل على الحق غالبا عليه، ومحيطا به، فإذا بقر ظهر الحق الكامن (1) فيه، وقد تقدم منا شرح ذلك.