واعلم أنه قد جاء في التواضع وهضم النفس شئ كثير، ومن ذلك الحديث المرفوع:
" من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر على الله وضعه ".
ويقال: إن الله تعالى قال لموسى: إنما كلمتك لان في أخلاقك خلقا أحبه الله، وهو التواضع.
ورأي محمد بن واسع ابنه يمشى الخيلاء، فناداه فقال: ويلك! أتمشي هذه المشية، وأبوك أبوك، وأمك أمك! أما أمك فأمة، ابتعتها بمائتي درهم، وأما أبوك فلا كثر الله في الناس مثله.
ومثل قوله عليه السلام: " كل مؤمن نومة إن شهد لم يعرف وإن غاب لم يفتقد "، قول رسول الله صلى الله عليه وآله: " رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبر قسمه ".
وقال عمر لابنه عبد الله: " التمس الرفعة بالتواضع والشرف بالدين، والعفو من الله بالعفو عن الناس، وإياك والخيلاء فتضع من نفسك ولا تحقرن أحدا فإنك لا تدرى لعل من تزدريه عيناك أقرب إلى الله وسيلة منك.
وقال الأحنف: عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين، من فرجين، كيف يتكبر!
وقد جاء في كلام رسول الله صلى الله عليه وآله ما يناسب كلام أمير المؤمنين عليه السلام هذا: " إن الله يحب الأخفياء الأتقياء الأبرياء، الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة ".
* * * وأما إفشاء السر وإذاعته، فقد ورد فيه أيضا ما يكثر، ولو لم يرد فيه إلا قوله سبحانه:
﴿ولا تطع كل حلاف مهين. هماز مشاء بنميم﴾ (1) لكفى.