لذاته، فكيف تتأولون قوله عليه السلام: (الذي علا بحوله)، أليس في هذا إثبات قدرة له زائدة على ذاته، وهذا يخالف مذهبكم.
قلت: إن أصحابنا لا يمتنعون من إطلاق قولهم: إن لله قوة وقدرة وحولا، وحاش لله أن يذهب ذاهب منهم إلى منع ذلك! ولكنهم يطلقونه ويعنون به حقيقته العرفية، وهي كون الله تعالى قويا قادرا، كما نقول نحن، والمخالف: إن لله وجودا وبقاء وقدما، ولا نعنى بذلك أن وجوده أو بقاءه أو قدمه معان زائدة على نفسه، لكنا نعنى كلنا بإطلاق هذه الألفاظ عليه كونه موجودا أو باقيا أو قديما، وهذا هو العرف المستعمل في قول الناس:
(لا قوة لي على ذلك) و (لا قدرة لي على فلان) لا يعنون نفى المعنى، بل يعنون كون الانسان قادرا قويا على ذلك.
ومنها أن (مانحا) في وزن (كاشف) و (غنيمة) بإزاء (عظيمة) في اللفظ، وضدها في المعنى، وكذلك (فضل) و (أزل).
ومنها أن (عواطف) بإزاء (سوابغ)، و (نعمه) بإزاء (كرمه).
ومنها وهو ألطف ما يستعمله أرباب هذا الصناعة: أنه جعل (قريبا هاديا)، مع قوله:
(أستهديه)، لان الدليل القريب منك أجدر بأن يهديك من البعيد النازح، ولم يجعله مع قوله: (وأستعينه)، وجعل مع الاستعانة (قاهرا قادرا) لان القادر القاهر يليق أن يستعان ويستنجد به، ولم يجعله قادرا قاهرا مع التوكل عليه، وجعل مع التوكل (كافيا ناصرا)، لان الكافي الناصر أهل لان يتوكل عليه.
وهذه اللطائف والدقائق من معجزاته عليه السلام التي فات بها البلغاء، وأخرس الفصحاء.
* * *