وإذا جعلت (الأول) صفة لم تصرفه، تقول: لقيته عاما أول، لاجتماع وزن الفعل، وتقول:
ما رأيته مذ عام أول، كلاهما بغير تنوين، فمن رفع جعله صفة لعام، كأنه قال: أول من عامنا، ومن نصب جعله كالظرف، كأنه قال: مذ عام قبل عامنا. فإن قلت: (ابدأ بهذا أول)، ضممته على الغاية.
والإنهاء: الإبلاغ، أنهيت إليه الخبر فانتهى، أي بلغ، والمعنى أن الله تعالى أعذر إلى خلقه وأنذرهم، فإعذاره إليهم أن عرفهم بالحجج العقلية والسمعية أنهم إن عصوه استحقوا العقاب، فأوضح عذره لهم في عقوبته إياهم على عصيانه. وإنذاره لهم: تخويفه إياهم من عقابه. وقد نظر البحتري إلى معنى قوله عليه السلام: (علا بحوله، ودنا بطوله)، فقال:
دنوت تواضعا وعلوت قدرا * فشأناك انخفاض وارتفاع (1) كذاك الشمس تبعد أن تسامى * ويدنو النور منها والشعاع.
* * * وفى هذا الفصل ضروب من البديع، فمنها أن (دنا) في مقابلة (علا) لفظا ومعنى، وكذلك (حوله) و (طوله).
فإن قلت: لا ريب في تقابل (دنا) و (علا) من حيث المعنى واللفظ، وأما (حوله) و (طوله) فإنهما يتناسبان لفظا، وليسا متقابلين معنى، لأنهما ليسا ضدين، كما في العلو والدنو.
قلت: بل فيهما معنى التضاد، لان الحول هو القوة، وهي مشعرة بالسطوة والقهر، ومنه منشأ الانتقام، والطول الإفضال والتكرم، وهو نقيض الانتقام والبطش.
فإن قلت: أنت وأصحابك لا تقولون إن الله تعالى قادر بقدرة، وهو عندكم قادر