من بعد القيامة حمدا لا غاية لحده، ولا حساب لعده، ولا مبلغ لأعداده، ولا انقطاع لآماده، حمدا يكون وصلة إلى طاعته، وسببا إلى رضوانه، وذريعة إلى مغفرته، وطريقا إلى جنته، وخفيرا من نقمته، وأمنا من غضبه، وظهيرا على طاعته، وحاجزا عن معصيته، وعونا على تأدية حقه ووظائفه، حمدا نسعد به في السعداء من أوليائه، وننتظم به في نظام الشهداء بسيوف أعدائه.
والحمد لله الذي من علينا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله دون الأمم الماضية، والقرون السالفة، لقدرته التي لا تعجز عن شئ، وإن عظم، ولا يفوتها شئ وإن لطف اللهم فصل على محمد أمينك على وحيك، ونجيك من خلقك، وصفيك من عبادك، إمام الرحمة وقائد الخير، ومفتاح البركة، كما نصب لأمرك نفسه، وعرض فيك للمكروه بدنه، وكاشف في الدعاء إليك حاسته، وحارب في رضاك أسرته، وقطع في نصرة دينك رحمه، وأقصى الأدنين على عنودهم عنك، وقرب الأقصين، على استجابتهم لك، ووالى فيك الأبعدين، وعاند فيك الأقربين، وأدأب (1) نفسه في تبليغ رسالتك، وأتعبها في الدعاء إلى ملتك، وشغلها بالنصح لأهل دعوتك، وهاجر إلى بلاد الغربة ومحل النأى، عن موطن رحله، وموضع رجله، ومسقط رأسه، ومأنس نفسه، إرادة منه لإعزاز دينك، واستنصارا على أهل الكفر بك، حتى استتب له ما حاول في أعدائك، واستتم له ما دبر في أوليائك، فنهد إلى المشركين بك، مستفتحا بعونك، ومتقويا على ضعفه بنصرك، فغزاهم في عقر ديارهم، وهجم عليهم في بحبوحة قرارهم، حتى ظهر أمرك، وعلت كلمتك، وقد كره المشركون.
اللهم فارفعه - بما كدح فيك - إلى الدرجة العليا من جنتك، حتى لا يساوى في منزلة، ولا يكافأ في مرتبة، ولا يوازيه لديك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وعرفه في أمته من