فأقام مروان ومضى عبد الرحمن، فلما قدم على معاوية دخل إليه وهو يعشي الناس، فأنشده:
أتتك العيس تنفخ في براها * تكشف عن مناكبها القطوع (1) بأبيض من أمية مضرحي * كأن جبينه سيف صنيع (2) فقال له معاوية: أزائرا جئت أم مفاخرا مكابرا؟ فقال: أي ذلك شئت! فقال:
ما أشاء من ذلك شيئا، وأراد معاوية أن يقطعه عن كلامه الذي عن له، فقال له: على أي ظهر جئتنا؟ فقال: على فرس، قال: ما صفته؟ قال: أجش هزيم - يعرض بقول النجاشي في معاوية يوم صفين:
ونجى ابن حرب سابح ذو علالة * أجش هزيم والرماح دواني (3) إذا قلت أطراف الرماح تناله * مرته له الساقان والقدمان (4) فغضب معاوية، وقال: إلا أنه لا يركبه صاحبه في الظلم إلى الريب، ولا هو ممن يتسور على جاراته، ولا يتوثب بعد هجعة الناس على كنائنه (5) - وكان عبد الرحمن يتهم بذلك في امرأة أخيه - فخجل عبد الرحمن وقال: يا أمير المؤمنين، ما حملك على عزل ابن عمك؟
الخيانة أوجبت ذلك أم لرأي رأيته وتدبير استصلحته؟ قال: بل لتدبير استصلحته، قال: فلا بأس بذلك، فخرج من عنده فلقى أخاه مروان، فأخبره بما دار بينه وبين معاوية، فاستشاط غيظا وقال لعبد الرحمن: قبحك الله، ما أضعفك! عرضت للرجل بما أغضبه، حتى إذا انتصر (6)