منك أحجمت عنه. ثم لبس حلته، وركب فرسه، وتقلد سيفه، ودخل على معاوية، فقال له حين رآه وتبين الغضب في وجهه: مرحبا بأبي عبد الملك! لقد زرتنا عند اشتياق منا إليك، فقال: [لا] (1) ها الله، ما زرتك لذلك ولا قدمت عليك فألفيتك إلا عاقا قاطعا، والله ما أنصفتنا ولا جزيتنا جزاءنا، لقد كانت السابقة من بنى عبد شمس لآل أبى العاص، والصهر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، والخلافة منهم (2)، فوصلوكم يا بنى حرب وشرفوكم وولوكم، فما عزلوكم ولا آثروا عليكم، حتى إذا وليتم وأفضى الامر إليكم أبيتم إلا أثرة وسوء صنيعة، وقبح قطيعة، فرويدا رويدا! فقد بلغ بنو الحكم وبنو بنيه نيفا وعشرين، وإنما هي أيام قلائل حتى يكملوا أربعين، ثم يعلم امرؤ ما يكون منهم حينئذ، ثم هم للجزاء بالحسنى والسوء بالمرصاد.
قال أبو الفرج: هذا رمز إلى قول رسول الله صلى الله عليه وآله: (إذا بلغ بنو أبى العاص أربعين رجلا، اتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا) فكان بنو أبى العاص يذكرون أنهم سيلون أمر الأمة إذا بلغوا هذه العدة.
قال أبو الفرج: فقال له معاوية: مهلا أبا عبد الملك، إني لم أعزلك عن خيانة، وإنما عزلتك لثلاثة لو لم يكن منهن إلا واحدة لأوجبت عزلك: إحداهن أنى أمرتك على عبد الله بن عامر، وبينكما ما بينكما، فلن تستطيع أن تشتفي منه، والثانية كراهيتك لامرة زياد، والثالثة أن ابنتي رملة استعدتك على زوجها عمرو بن عثمان، فلم تعدها. فقال مروان: أما ابن عامر فأنى لا أنتصر منه في سلطاني، ولكن إذا تساوت الاقدام علم أين موقعه. وأما كراهتي لامرة زيادة فإن سائر بنى أمية كرهوه، وجعل الله لنا في ذلك الكره خيرا كثيرا. وأما استعداء رملة على عمرو، فوالله إنه ليأتي على سنة أو أكثر