فسار وخرج صالح نحو جلولاء وخانقين (1) واتبعه الحارث حتى انتهى إلى قرية يقال لها المدبج (2)، وصالح يومئذ في تسعين رجلا، فعبى الحارث بن عميرة أصحابه ميمنة وميسرة، وجعل صالح أصحابه ثلاثة كراديس وهو في كردوس (3)، وشبيب في ميمنة في كردوس، وسويد بن سليم في كردوس في ميسرته، في كل كردوس منهم ثلاثون رجلا، فلما شد عليهم الحارث بن عميرة انكشف سويد بن سليم، وثبت صالح فقتل، وضارب شبيب حتى صرع عن فرسه، فوقع بين رجاله، فجاء حتى انتهى إلى موقف صالح، فوجده قتيلا فنادى: إلى يا معشر المسلمين! فلاذوا به، فقال لأصحابه: ليجعل كل رجل منكم ظهره إلى ظهر صاحبه، وليطاعن عدوه إذا قدم عليه، حتى ندخل هذا الحصن، ونرى رأينا.
ففعلوا ذلك حتى دخلوا الحصن، وهم سبعون رجلا مع شبيب، وأحاط بهم الحارث بن عميرة ممسيا، وقال لأصحابه: أحرقوا الباب، فإذا صار جمرا فدعوه، فإنهم لا يقدرون على الخروج حتى نصبح (4) فنقتلهم، ففعلوا ذلك بالباب، ثم انصرفوا إلى معسكرهم.
فقال شبيب لأصحابه: يا هؤلاء، ما تنتظرون! فوالله إن صبحوكم غدوة (5) إنه لهلاككم، فقالوا له: مرنا بأمرك، فقال لهم: [إن الليل أخفى للويل] (6)، بايعوني إن شئتم، أو بايعوا من شئتم منكم، ثم اخرجوا بنا حتى نشد عليهم في عسكرهم، فإنهم آمنون منكم، وإني أرجو أن ينصركم الله عليهم. قالوا: ابسط يدك، فبايعوه، فلما جاءوا